قصف الشيخ مقصود حيث الإرهاب يتجاوز كل الحدود

يشكل الخرق الخطير الذي حصل في مدينة حلب نهاية الأسبوع الماضي، دليلاً قاطعاً على أن الجماعات الفاشية الإسلامية لاتضع أي حدود لممارساتها الإرهابية. إن قصف منطقة الشيخ مقصود بالغازات السامة يتجاوز كل القوانين الدولية، رغم تأكيدنا أن هذا العمل الإجرامي لم يكن لينفّذ لولا تسهيلات من تركيا. واذا ما تتبّعنا إعلام المعارضة السورية المدعومة خارجياً في تعليقها على هذه الحادثة، بأن (جيش الإسلام) وهو فصيل من الجماعات الفاشية الإسلامية التي هاجمت الحي، قد اعترف رسمياً بقيام (أحد عناصره وبشكل فردي باستخدام أسلحة مُحرّمة دولياً في معركة الشيخ مقصود الأخيرة). نجد تماثلاً في طرح الحدث مع الأسلوب الكلاسيكي في تدرج الخبر أثناء العمليات الممنهجة التي تدينها الأعراف الدولية، في ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين.

يمثل الموقف من النظام السوري والموقف من تصنيف الجماعات الإسلامية المسلحة منطلقاً أساسياً لفهم توجهات الدول الإقليمية والدولية الفاعلة في الشرق الأوسط وتكتيكاتها. فعند ارتفاع مؤشرات تدهور السلم الدولي واحتمالات تضرره نتيجة تطور التطرف الإسلامي وصعوده في سورية، تصبح معادلة المقاربات الدبلوماسية أكثر ضرورة وأكثر عقلانية ومطابقة للواقع. وعلى الرغم من مجمل العلاقات القائمة بين روسيا والغرب عموماً وليس فقط الولايات المتحدة، على الرغم من ذلك تظهر قضية التوافقات الدولية الأممية والقرارات الصادرة عنها ابتداءً من القرار2254 حول إدانة وتوصيف المجموعتين الأكثر خطورة على الساحة السورية (جبهة النصرة) و(تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) (داعش)، ذات أهمية كبيرة، لأنهما تضعان المجتمع الدولي في مواجهة تشريعية وأمنية مباشرة مع ظاهرة الإرهاب في المنطقة.

منطلق الدروس الليبية،. ومراجعة روسيا لتلك الدروس فيما يتعلق بخدعة قرارات التوافق الدولي، ومحاولات تهميش الدور الروسي في عموم جغرافيا البحر المتوسط. أيضاً المراجعة الأمريكية التي استطرد فيها الرئيس باراك أوباما في كلمته إلى مجلة أتلانتيك، واتهامه ضمنياً لفرنسا وبريطانيا بالتهور في سياساتهما تجاه الدول التي اجتاحها (الربيع العربي). يشيران إلى خطورة الوضع الأمني الذي يشكله الشرق الأوسط على العالم، والذي انعكس جلياً على الواقع الأمني الأوربي في التفجيرات الأخيرة في بروكسل في 22 آذار الماضي.

هنا لا نشكّك أبداً بأن مشاعر السيدة موغريني، حينما أجهشت بالبكاء على ماجرى في بروكسل، كانت صادقة تماماً، ولكننا نتساءل كيف يمكن لشخص له ذلك المنصب الحساس أن يبكي وأن يتجاهل في الوقت نفسه المجازر اليومية التي حصلت بحق المدنيين في العراق وسورية؟ ونتساءل أيضاً: ماذا لو أن مجرمي (الله أكبر) وصلوا إلى مدارس الأطفال في أوربا، كما حصل في مدينة حمص؟ على أوربا أن تعي أن القضاء على النهج الفاشي الجديد في الشرق الأوسط لن ينجح دون مسارين متوازيين هما مسار أمني، ومسار دبلوماسي ملازم له مرتبط بحل سياسي للأزمة السورية، والحل الأمني وحده لم ولن يكون كافياً، وتجربة التحالف الدولي لضرب (تنظيم الدولة الإسلامية) تؤكد ذلك.

لكن هل التحولات الكبرى التي حصلت على تطور الجماعات الفاشية، وفي مقدمتها (تنظيم الدولة الإسلامية) وانتقالها العنفي من سورية والعراق إلى ليبيا، ثم دخولها الحالي بشكل قوي إلى أوربا، سوف يفرض على السياسة الأوربية مقاربة جديدة لحل الأزمة السورية، وضرورة اتخاذ تدابير عقلانية وعملية سريعة، من حيث أن في سورية صراعاً حاداً وعنيفاً، سياسياً وعسكرياً واجتماعياً وثقافياً وحتى حضارياً غير مسبوق، لم تسلم منه أي مساحة جغرافية منها من الشمال وحتى الجنوب، ومن الغرب وحتى الشرق. تتميز هذه البُنى بأن لها قواسم اجتماعية وعقائدية وفكرية وسياسية كاملة النضوج تقريباً ستأخذ المجتمعات المشرقية، إذا استمرت بالتمادي ولم تُضبط من قبل المجتمع الدولي، إلى أكبر كارثة عنفية دموية عرفتها المنطقة منذ مجازر الأتراك ضد الأرمن والسريان عام 1915.

لقد أظهر النظام السوري نقاطاً سلبية كبرى خلال الأزمة السورية، رغم ذلك الحديث عن بديل سياسي للنظام حالياً يبدو غير ناضج، فالأطر السياسية السورية المُعارِضة بشكلها الحالي تتضمن قيادات متصلبة ممن لا يعرفون بقواعد اللعبة السياسية، ولا يعترفون بالتوازنات القائمة. أهمها وفد الرياض للمعارضة السورية الذي دعا كبير مفاوضيه قُبيل مفاوضات جنيف3 مع وفد النظام السوري إلى قتل الرئيس السوري!. إن التضاد القطعي بين أطراف الصراع السياسية في سورية، وعدم تدخل المجتمع الدولي لحل الأزمة السورية، قد سمح إلى حد كبير بتمدد وتجذر (تنظيم الدولة الإسلامية) وبقية المجموعات المتطرفة الأخرى، ومؤسِسةً لمشروع جغرافي وحُكم إداري وسياسي يضرب بعرض الحائط -كما الدول الإقليمية الداعمة لها- كل الأسس الأخلاقية السائدة حالياً.

العدد 1140 - 22/01/2025