ماذا عن الخسائر التي قد تنتج عن تقلبات سعر الصرف؟…ثغرات تواجه منح القروض التشغيلية

 هناك قاعدة اقتصادية مختصة بالقروض تقول (ما دام هناك عدم استقرار فإن سياسة الإقراض تعتبر مضرّة سواء من ناحية المصرف أو من جانب المستثمرين الذين يودون الاقتراض)، ولكن هذه القاعدة لها استثناءات ضمن ظروف عدم الاستقرار، في حال كان الهدف منها تنشيط أي عملية من شأنها دفع العجلة الاقتصادية للأمام..

ولنعد إلى ما أعلنته المصارف العامة عن طرحها للقروض التشغيلية ولنعرض شروطها وضماناتها بسرعة، فمثلاً المصرف العقاري أعلن مؤخراً أنه سيبدأ بمنح القروض التشغيلية مع مطلع العام القادم.

أما المصرف الصناعي فقد اتخذ قراراً مبدئياً بعدم إطلاق القروض التشغيلية، وذلك بسبب ارتفاع قيمة الديون الممنوحة من المصرف وتوجيه جهوده في الفترة الحالية إلى جهة تحصيل مستحقاته.

وتفيد معلومات حول التعليمات التنفيذية فيما يخص سقف القرض في كل مصرف، بأن السقف الأولي المقرر للقرض من المصرف التجاري السوري هو مليون ليرة سورية، وللمصرف العقاري 3 ملايين ليرة سورية، ونصت مسودة التعليمات التنفيذية للمصرف الصناعي على تحديد سقف القرض بـ10 ملايين ليرة سورية، أما مصرف التوفير فمن المرجح أن يكون سقف القروض محدداً بمليون ليرة سورية، ومصرف التسليف الشعبي بسقف مليون ليرة سورية.

المصرف الزراعي التعاوني كان المصرف الوحيد الذي أصدر منذ وقت سابق قراراً استأنف بموجبه تمويل إقراض الغايات الزراعية، بحيث أصبح استئناف التمويل عن طريقة إعادة حسم الأسناد وتجهيزها لدى مصرف سورية المركزي، باعتباره أحد أهم مصادر التمويل لدى المصرف الزراعي التعاوني.

قروض الاستثمار ذات فاعلية أكبر

نقاط كثيرة أُغفلت حول هذه القروض وخاصة في ظل تذبذب سعر صرف الليرة والخسائر التي قد تطول الطرفين.. تعليقاً على ذلك بيّن الخبير المصرفي عماد هاشم طاهر في تصريحه ل(النور) أن القروض التشغيلية مخصصة لتمويل الرأسمال العامل، ومن المعروف أن أي مشروع يستهلك معظم رأسماله عند التأسيس برأسمال ثابت (بناء ـ آلات ـ معدات ـ أثاث) وبالتالي هذه القروض بهذا الشكل لا تهدف إلى زيادة الرأسمال الثابت في الاقتصاد الوطني، مضيفاً: (لو كان هناك قروض تهدف إلى زيادة الاستثمارات في الاقتصاد الوطني ويكون دورها زيادة الإنتاجية وتشغيل اليد العاملة فهي تعتبر ذات فاعلية أكبر).

ولفت إلى أن هذه القروض موجّهة لتمويل الرأسمال العامل، أي مواد أولية ومواد مساعدة للإنتاج، وبالتالي من هي هذه الجهات التي يمكنها الاستفادة من هذه القروض؟ (القطاع الزراعي بشقية النباتي والحيواني يتأثر بالعوامل الجوية بالدرجة الأولى وبارتفاع تكاليف الإنتاج بالدرجة الثانية، جميع القطاعات الصناعية أو الحرفية يلاحظ أن تكاليف رأسمال العامل مرتفعة وخصوصا بعد الانخفاض بقيمة الليرة السورية مما أدى إلى ارتفاع تكاليف كافة المواد الأولية والمواد المساعدة للإنتاج).

وهنا نصل إلى نقطة، هل مبلغ مليون إلى ثلاثة ملايين ليرة يكفي لتمويل الرأسمال العامل لأي منشأة؟.. مثال: (تربية الدواجن: لدينا تكاليف ثمن فراخ الدواجن مع ثمن الأعلاف مع ثمن محروقات، فمثل هذا المبلغ لا يكفي لتمويل تربية فوج واحد من أنواع الدواجن إذا كان الرأسمال الثابت كاملاً وجاهزاً للعمل).

بعد أخذ الملاحظة السابقة بالحسبان نصل إلى نقطة، وهي إمكانية التسويق لمنتجات ممولة بموجب قروض عليها فائدة تصل إلى 13% مما يعني ارتفاع التكاليف مقارنة مع منتجات غير ممولة بموجب قروض، يعني إمكانية المنافسة ضئيلة، وبالتالي يشكل هذا الموضوع تعثراً أولياً لصاحب المنشأة.

ماذا عن تقلّبات سعر الصرف؟

ونصل إلى موضوع مهم وهو سعر صرف الليرة السورية، فإذا أخذنا بالحسبان أن مدة إنجاز القرض تتراوح ما بين 45 يوماً إلى 60 يوماً، ومع تقلبات سعر صرف الليرة، نلاحظ أن المقترض سوف يخسر مباشرة من مبلغ القرض نتيجة انخفاض سعر الصرف الذي يقابله ارتفاع أسعار المنتجات التي سوف يشتريها المقترض بموجب القرض المستمر، وهنا ارتفاع تكلفة الإنتاج أيضاً.

الضمانات

 يلاحظ أن المطلوب هو ضمان 200% من مبلغ القرض، فمثلاً قرض 3 ملايين ليرة يعني تقديم ضمانة بمبلغ 6 ملايين، ومن المعروف الارتفاع الهائل بأسعار العقارات في المناطق الآمنة، وبالتالي من الذي يرهن عقار قيمته 50 مليوناً أو 10 ملايين لقاء قرض 3 ملايين ليرة؟

قرار استئناف القروض التشغيلية يهدف إلى تحريك عجلة العملية الإنتاجية في الاقتصاد الوطني ويطلب المصرف الممول أن يكون المشروع قائماً ويكون لديه دخل فعلي، ولكن يلاحظ خلال هذه الأزمة أن بعض المهن والورش بحاجة إلى دعم بسيط لإعادة ترميم بعض الأثاث أو البناء أو الآلات نتيجة ظروف الحرب، وبالتالي مثل هذه القروض من الذي سوف يقدم لها الدعم من أجل إعادة الانطلاق إلى العمل؟

واقترح الخبير المصرفي، أن يصدر قرار أكثر شمولية وعمومية لتحريك عجلة إنتاج الاقتصاد الوطن،ي وأن يكون لدى المصارف، بمساعدة هيئة تخطيط الدولة أو الوزارات المختصة، قدرة على توجيه المقترض لبعض المناطق أو القطاعات التي تشكل قاطرة لدفع عجلة الاقتصاد الوطني، بمعنى أن ندعم قطاعات يعمل من خلفها عدة قطاعات أو مهن أخرى مرتبطة بها، أو تقديم قروض مدعومة حسب المناطق وكل ذلك يكون بناء على دراسات مستفيضة وليس بناء على قرار بأن نرغب بمنح قروض.

ما يتعلق بالضمانات يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار إمكانية استخدام الضمانة المقدمة لتمويل أكثر من قرض، إذا كانت قيمتها تسمح بذلك، ويتحقق ذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة مثل مديرية المصالح العقارية، مثال: (3 قروض كل قرض بقيمة 3 ملايين يكون المجموع 9 ملايين وضمانة عقارية قيمتها 20 مليون ليرة فيجب أن تكون ضمانة للقروض الثلاثة لا لقرض واحد فقط، طبعاً على اعتبار توافق الأطراف).

ورأى الخبير أن أهم قضية في دراسة القرض هو سعر الصرف لما له من أثر كبير على المقرض والمقترض ذلك أن فائدة 13% لا تعوض انخفاض قيمة المقترض الذي منحه المصرف، وكما ذكرنا سابقاً يؤدي إلى ارتفاع تكلفة رأسمال العامل، وبالتالي لا بد من دراسة كل قرض بحيث يلبي حاجة المقترض ويعوض المصرف عن خسارته الناجمة عن انخفاض سعر الصرف.

العدد 1136 - 18/12/2024