عام التجدد..وإطلاق الفكر النقدي
مع إطلالة العام الجديد، يحدونا الأمل في أن يكون عام 2018 عام حصاد وفير جدير بالتضحيات التي قدمها الشعب السوري العريق، المحب لوطنه، المدافع عن حقوقه في دولة وطنية عصرية تعددية ديمقراطية..
كلنا ثقة بأن هذا العام سيكون عام تجدد ومراجعة نقدية هادئة، متزنة، جريئة، للسبع العجاف التي عبرها شعبنا وجيشنا ومجمل القوى الفاعلة في المجتمع، للتوافق على برنامج عمل واضح ومحدد، لمواجهة عواقب وعقابيل الحرب التي فرضت على بلدنا، واستطاعت سورية فيها أن تحافظ على وحدة ترابها، ومازالت المواجهة مستمرة، فإن كان جانبها العسكري في طريقه إلى الحسم النهائي، بتصفية داعش ومواجهة النصرة وملحقاتها، فإن معركة إعادة البناء ماتزال قيد المناقشة والتداول بدءاً بصياغة جديدة للتصدي للداعشية فكراً وثقافة، باستئصال منابعها والأسباب التي أدت إلى احتضانها.
المواجهة الأولى والأهم بعد الحفاظ على وحدة التراب السوري، هي مهمة توطيد وحدة النسيج الاجتماعي وتمتينها، بتنقية الشوائب والعوالق التي طالت الكلية الاجتماعية، بوصفها أساساً متيناً في المواجهة الشاملة والعميقة لمجمل ما تتعرض له البلاد.
وحدة النسيج الاجتماعي، تستدعي أكثر من النوايا الحسنة والكلمات المطمئنة، إنها تتطلب خطة تنمية شاملة تقوم على المشاركة الفعالة، لكل أبناء الوطن السوري في الإعداد والتحضير لها على أرضية التشاركية، ليس في اتخاذ القرارات فحسب، وإنما في إعادة توزيع الدخل القومي، وإعطاء الأولية للقوى العاملة المنتجة بسواعدها وأدمغتها، كي يشعر كل مواطن بأنه معني بما يجري في وطنه، وبالتالي بمسؤوليته نحوه.
في حمأة المواجهات متعددة الجوانب، السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي، الفكري، نجد أنفسنا بأمسّ الحاجة إلى تجديد طرائق تفكيرنا في قراءة التجربة المريرة التي عبرنا جزءها الأهم، قراءة تعتمد المنهجية والعقلانية والموضوعية والتأني في إصدار الأحكام، قراءة تأخذ بالحسبان حق الاختلاف في الرأي وتعكس التنوع الاجتماعي واختلاف المرجعيات النظرية المعتمدة لكل قراءة للواقع ولآفاق تطوره اللاحق.
سورية المستقبل، تستحق منا جميعاً، فكراً نقدياً ومساهمة فعالية في وضع برنامج عام وشامل، لما بعد مرحلة الحرب الطاحنة التي أريد لها تفكيك الدولة بتقسيم الوطن وفصم العرى الاجتماعية فيه، ونشر الظلامية وبعث الأحقاد وتغذية الفتن، وسيادة الغرائزية في التفكير.
أساس هذا العمل الهام الخلاق، هو الوحدة الوطنية، والبنية الاجتماعية المتكافلة المتضامنة على أساس التساوي في الحقوق والواجبات وسيادة القانون.
تأسيساً على ما تقدم، لا مفر من حزمة من الإجراءات تساوي في قوتها ومفاعيلها بتر كل مسببات المحنة السورية، وبشكل خاص ما يتعلق بالداخل السوري ومفرزاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليكن عام 2018 عام التجدد والتجديد، عام الانتقال من الأحادية في التفكير إلى التعددية فيه، عام التحول من الكم إلى الكيف، عام الجرأة في اتخاذ القرارات الصائبة العامة الشاملة المحددة لمستقبل سورية المنشود.
شعبنا ووطننا بحاجة ماسة إلى دعوة لوحدة العمل، وتنسيق الجهود ومضاعفة الإنتاج وإطلاق المبادرات، والتخلص نهائياً من وهم امتلاك الحقيقة، والاستئثار بها، نحن اليوم في وضع يدعونا جميعاً إلى ثقافة المواطنة، والتخلص من عقلية الهيمنة والاستئثار والإذابة والتذويب، عقلية تطلق كل طاقات التفرد والتميز في وحدة صوانية لإرادة وطنية فولاذية، تؤسس لبُنى الدولة الوطنية المقاومة.