من المسؤول عن ضياع الملايين في «التوكيلات الملاحية» بطرطوس!

من يدخل مبنى (التوكيلات الملاحية) بطرطوس ويقارن الحركة فيها بالحركة الموجودة لدى الوكالات الخاصة التي رُخص لها بعد العام 2003 يدرك أن هناك من يسعى للقضاء على هذا المرفق الهام من مرافق القطاع العام في مجال النقل البحري، إذ أخذت الوكالات الخاصة البواخر التي تأتي إلى مرفأ طرطوس بالرغم من وجود القرار 751 الذي يحدد عمل هذه الوكالات، فمن المسؤول عن هذا يا ترى؟!

 أحدثت شركة التوكيلات الملاحية في عام 1980 وفي عام 2002 صدر المرسوم التشريعي رقم 55 الذي سمح بإنشاء وكالات بحرية خاصة، وصدرت بعد ذلك القرارات التنفيذية لهذا المرسوم عن السيد وزير النقل ومنها القرار رقم 750 تاريخ 8/5/2003 الذي حدّد نسب المبالغ المقطوعة التي يجب تسديدها إلى شركة التوكيلات الملاحية من قبل الوكيل الخاص للسفينة لقاء الترخيص الذي يمنح له بمزاولة أعمال التوكيل الملاحي. وقد أنهى المرسوم المذكور فترة حصر الوكالات البحرية بشركة التوكيلات الملاحية التي دامت نحو ربع قرن.

وحسب إحصائيات الشركة فإن عام2003 كان آخر سنة ذهبية لهذه الشركة، فقد مارست في عام 2003 الوكالة الملاحية عن 1163 سفينة وناقلة نفط من أصل 1761 سفينة أمت مرفأ طرطوس، لكن بدءاً من بداية عام 2004 ومع تزايد نشاط الوكالات البحرية الخاصة بدأ يتراجع هذا الدور تراجعاً كبيراً جداً، فقد مارست الشركة الوكالة البحرية عن 454 سفينة وناقلة نفط فقط منها 59 ناقلة نفط، وذلك من أصل 2164 سفينة أمت مرفأ طرطوس خلال العام 2004 نفسه. وتجدر الإشارة هنا إلى أن شركة التوكيلات الملاحية تعتبر وكيلاً حصرياً لناقلات النفط وللسفن التي تكون حمولة بضائع القطاع العام فيها 51% وما فوق.

أما في عام 2005 فإن عدد السفن التي كانت الشركة وكيلها هو318 سفينة وناقلة منها 52 ناقلة نفط وذلك من أصل 2456 سفينة أمت مرفأ طرطوس خلال العام نفسه، وخلال عام 2006 مارست الشركة الوكالة عن 232 سفينة وناقلة نفط من أصل نحو 2455 سفينة أمت مرفأ طرطوس خلال العام نفسه أيضاً.

أما إيرادات الشركة الصافية أي الأرباح الحقيقية فقد انخفضت كثيراً بدءاً من عام 2004 قياساً بالأعوام السابقة، ففي السنوات الذهبية لهذه الشركة أي منذ عام 2003 وما قبل كانت الأرباح نحو ثلاثمئة وخمسين مليون ليرة سورية سنوياً بالحد الأدنى، بينما بلغت هذه الأرباح خلال عام 2005 نحو 113 مليوناً ليرة سورية فقط، أي أن تراجع أرباح الشركة سنوياً بدءاً من 2004 حتى الآن يقدر بمئات ملايين الليرات السورية سنوياً، وسوف يزداد هذا الرقم حكماً إذا ما بقي الوضع كما هو عليه الآن فمن المسؤول أيضاً؟!

أسباب التراجع

يمكننا أن نجزم أنه بعد الترخيص للوكالات البحرية الخاصة التي أنشئت بهدف زيادة الحركة الملاحية في مرافئنا، سواء من خلال زيادة عدد البواخر أو زيادة عدد الخطوط الملاحية إلى مرافئ القطر، فإن الذي حصل هو أن هذه الوكالات لم تستقطب أي خط ملاحي جديد إطلاقاً وإنما أخذت الخطوط التي كانت بيد شركة التوكيلات الملاحية، وقد استخدمت هذه الوكالات الخاصة علاقاتها القديمة الخاصة مع شركات النقل العالمية والخطوط البحرية العالمية أيضاً في استقطابها وأخذت وكالاتها، وساعدها في ذلك المرونة في العمل والحركة التي تتمتع بها بعكس شركة التوكيلات الملاحية التي تحكم عملها عدد من القوانين والأنظمة وتجعلها غير قادرة على تخفيض تعرفة بدلات الخدمات للسفن، أو زيادتها، وقد تكون هذه التعرفة أقل أو أكثر مما تتقاضاه الوكالات الخاصة، بينما الوكالات الخاصة تستطيع وبسهولة تخفيض  هذه التعرفة أو زيادتها.

ما حدث خلال الفترة الماضية من عمل هذه الوكالات الخاصة أثبت أن هذه الوكالات لم تتقيد بالتعرفة التي وضعتها وزارة النقل وقامت بتخفيضها، ولذلك استطاعت استقطاب البواخر التي أمت مرافئ القطر.

إضافة إلى أنه بالنسبة للبواخر السورية فإن قسماً كبيراً من مالكي هذه البواخر أصبحوا وكلاء لبواخرهم من خلال الوكالات الخاصة التي حصلوا على التراخيص لمزاولتها حتى أنهم يمارسون أعمال التخليص الجمركي والشحن، أي أنهم مالكو سفن ووكلاء بحريون ومخلصون جمركيون وربما أصحاب بضاعة أيضاً وهنا تكمن الكارثة الحقيقية فمن المسؤول؟!

هل يمكن لشركة التوكيلات العودة؟!

هذا السؤال يفرض نفسه بقوة خصوصاً في هذه الأثناء، فماهي الحلول الكفيلة بذلك؟

بقليل من التبصّر والنظر بعين الخوف والقلق على المال العام الذي هو من حق خزينة الدولة يمكننا ان نقول بأن هذا ممكن شريطة حصر وكالات بضائع القطاع العام جميعها بشركة التوكيلات الملاحية، لأنه من غير المنطقي بعد كل هذه السنوات التي كانت خلالها شركة التوكيلات الملاحية من أكثر الشركات العامة الرابحة التي تغذي خزينة الدولة بالقطع الأجنبي أن تنتهي إلى هذه الحال !!

وأيضاً يجب إعطاء الشركة المرونة الكافية في التعامل مع البواخر التي تأتي لمرافئنا بحيث تتعامل مع هذه البواخر كما تتعامل الوكالات الخاصة بعيداً عن تعقيدات روتين القطاع العام، وأن تكون للشركة معاملة خاصة في مرافئ القطر تنطلق من مبدأ إلزام الوكالات البحرية الخاصة بتطبيق تعرفة موحدة للعمولات وعدم السماح بخرق هذه التعرفة مع الإشارة هنا إلى أنه توجد تعرفة موضوعة من قبل وزارة النقل لكن لا تلتزم بها هذه الوكالات ووحدها شركة التوكيلات ملزمة بتطبيقها.

كلمة حق

لا بد من تضافر جهود المؤسسات العامة التي تورّد تلك الإرساليات والبضائع مع شركة التوكيلات الملاحية كوكيل حكومي في مرافئ التفريغ السورية حرصاً على عدم هدر المال العام إمّا باشتراط توكيل الشركة في كافة العقود الداخلية والخارجية أو إلزام الجهات العامة المبرمة لهذه العقود بإعلام التوكيلات الملاحية بعائدية تلك البضائع بغض النظر إن كانت العقود تسليم ظهر الباخرة أو السيارات أو مستودعات المؤسسات العامة حتى لو كان تخليص البضائع وشحنها تقوم به جهة غير المؤسسات الحكومية ما دام مآلها النهائي إلى مستودعات تلك المؤسسات، ويمكن لأمانات الجمارك المساهمة الفعالة برفض أي تنازل عن بضاعة عائدة للقطاع العام لا يكون وكيلها شركة التوكيلات الملاحية.

أخيراً

ما نتمناه ويتمناه كل حريص على المال العام هو اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بعودة شركة التوكيلات الملاحية إلى سابق عهدها، وإضافة مادة من قبل السيد وزير النقل إلى القرار 751 تحدّد صراحة أنّ كل البضائع التي يكون مآلها النهائي للقطاع العام أن تكون البواخر الناقلة لها محصورة بوكالة شركة التوكيلات الملاحية، فهل سنلحظ قريباً يا سيادة الوزير قراراً كهذا يعيد الشركة إلى الواجهة ويرفد خزينة الدولة بالقطع الأجنبي الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه خصوصاً في هذه الفترة؟!

علامات استفهام

في هذه الفترة التي نعاني فيها ما نعانيه في ظل ظروف الحرب الجائرة على بلادنا وقيام شركات وسيطة بتوريد بعض المواد الأساسية، لا بدّ من أن تقوم شركة التوكيلات الملاحية بتولّي توكيل هذه البواخر التي تعود بضاعتها في مآلها النهائي إلى جهات عامّة واستيفاء الرسوم والبدلات التي تصب في النهاية في خزينة الدولة عملاً بتعليمات وزارة النقل الواضحة في كتابها رقم 7510 تاريخ 22/6/2006 التي تنص صراحة على وكالة شركة التوكيلات الملاحية للسفن الحاملة بضائع تعود إلى جهة عامة حكومية بصرف النظر عن طبيعة العقد الحقوقية، مادام العقد يؤول إلى جهة عامة في الدولة.

ففي الآونة الأخيرة وردت عدة بواخر تحمل إرساليات (مواد أساسية) وتم توكيلها لوكالة خاصة بحجة عدم عائديتها لمؤسسات القطاع العام، إذ لا تُظهِر الوثائق عائديتها فعلاً إلاّ ان المعلومات (كما أفادتنا التوكيلات الملاحية) تؤكد إدخال تلك المواد إلى مستودعات عائدة للقطاع العام، وهذه المواد الكبيرة التي تقدّر بمئات الآلاف من الأطنان لا يمكن مآلها النهائي إلاّ إلى القطاع العام بدليل أنه جرى التنازل عن عدة بواخر بعد وصولها واستقبالها من قبل تلك الوكالة إلى شركة التوكيلات الملاحية، فقد وردت بوثائق شحن وتعليمات من الجهات العامة بعائدية البضاعة لها.

العدد 1140 - 22/01/2025