ارحمونا.. الأسعار تكوينا..!

 خمس سنوات ونيّف من عمر الأزمة التي عاشها المواطن السوري وما زال يعاني منها ولا يعلم إلاّ الله كم سيعاني لاحقا من عقابيلها وهو صابر ومحتسب وينتظر الخلاص في الوقت الذي أفرزت هذه الأزمة اللعينة نمطين من العيش تمثلت في الفاقة والفقر والتهجير والتشرّد لدى البعض واستثمار ظروف الحرب من قبل أصحاب النمط الثاني ومراكمة ثرواتهم وأملاكهم.

خمس سنوات والقرارات والتعاميم والتوصيات تلاحق هذا المواطن ليل نهار وتوقظه من أحلامه لتصفعه بقسوة متجاهلة واقعه وبؤسه فلا القرارات رحمته ولا التعاميم أنصفته وبات معلقاً على ناصية أحلام ليست اقل من سراب في صحراء ملتهبة.

خمس سنوات والأسعار تقفز كأرنب مذعور ضاربة عرض الحائط بالواقع المليء بالبؤس والخوف ولا حياء ولا حياة لمن تنادي كما يقال فالأزمة شمّاعة يمكنها أن تستوعب كل التبريرات وكل الأعذار التي يطلقها المسؤولين بين عشيّة وعشيّة في تفسيراتهم التي لم تعد تقنع أحداً.

في جولة على واقع الأسعار في محافظة طرطوس لمسنا غياباً تاماً للرقابة والتموين وما يسمّى تجاوزاً بحماية المستهلك حيث الواقع يتحدث عن فوضى في الأسعار وعدم ضبط لواقع السوق والسلع مع ملاحظة انتشار بسطات على الأرصفة لبعض المواد الغذائية والمعلبات بأسعار اقل مما هي عليه في المحلات دون أي حسيب او رقيب.

في البداية التقينا بعدد من أصحاب المحلات التجارية (سمانة) ولاحظنا التفاوت في الأسعار بين محل ومحل مع غياب في معظم المحلات لما يسمى الفاتورة فالتاجر لا يعطي فاتورة بالبضاعة لأن تاجر الجملة لم يقم بإعطاء فاتورة وفي بعض المحلات وجدنا فاتورة وهمية حيث الأسعار على الفاتورة شيء وفي الواقع شيء آخر:

السيد محمود تاجر مفرّق تحدث عن زيادة سعر الدولار وعدم استقراره مما انعكس على تذبذب أسعار البضاعة عليه مفسّرا لنا وجود أكثر من تسعيرة ملغاة على أكثر من منتج وأضاف: اليوم أبيع كيلو السكر مثلاً ب 200 لأفاجأ عندما اشتريه بأنه أصبح ب 225 وهذا الحال ينطبق على بقية المواد.. المشكلة في عدم الاستقرار فالجميع خائف من الارتفاع الدولار إلى حد لا يمكن تخيله وبالتأكيد هذا ليس من مهمتي بل من مهمة الفريق الاقتصادي المسؤول في البلد.

السيد خالد عيسى تحدث عن عدم استقرار السوق بسبب كثرة الطلب وقلّة العرض وأضاف: هناك بعض التجار الكبار الذين يستغلون الأزمة بشكل حقير ويتحكمون بالأسعار خاصة أولئك الذين يملكون وكالات حصرية باستيراد بعض المواد الغذائية.. التموين غائب ولا حياة لمن تنادي.

في احد محلات المفرّق سجلنا أسعار بعض المواد الغذائية للمقارنة مع محلات الجملة فكانت في محل المفرق كما يلي:

فاصولياء عيشة 475 ل.س، الكوسا 225 ل.س، الباذنجان 350 ل.س، الفول 200 ل.س، البندورة 250ل.س، بصل فريك 200 ل.س، إكدنيا 300 ل.س، اللوز 200 ل.س، الخيار البلاستيكي 225 ل.س، والخيار الأرضي 325 ل.س، البطاطا المصرية 250 ل.س، بصل يابس 250 ل.س، زهرة 225 ل.س، الخس 5_ ل.س، بصل اخضر 200 ل.س، ملفوف 125 ل.س.

في حين كانت في محلات الجملة:

فاصولياء عيشة 425 ل.س، الكوسا 170 ل.س، الباذنجان 275 ل.س، الفول 150 ل.س، البندورة 180ل.س، بصل فريك 150 ل.س، اكدنيا 250 ل.س، اللوز 100 ل.س، الخيار البلاستيكي 150 ل.س، والخيار الأرضي 250 ل.س، البطاطا المصرية 190 ل.س، بصل يابس 190 ل.س، زهرة 175 ل.س، الخس 50 ل.س، بصل اخضر 150 ل.س، ملفوف 75 ل.س.

وبملاحظة بسيطة نجد أن هناك هامش ربح كبير يتراوح بين 50 و100 ليرة للكغ الواحد احياناً بين محلات الجملة ومحلات المفرق والسؤال من هو المسؤول عن هذه الفوضى ياترى فالمزارع كما تحدثنا إلى بعض المزارعين يطالبون بوزارة لحمايتهم من جشع التجار الذين لاهمّ لهم الاّ الربح وهم (المزارعون) الحلقة الأضعف في هذه العملية بالكامل:

السيد أبو نوّار تحدث عن أسعار البذار وارتفاعها فقال: البذار غالي والأسمدة كذلك ونحن نتعب ونكد طيلة الموسم لنبيع للتاجر الجالس خلف طاولته والذي يربح أضعافاً مضاعفة بالنسبة إلينا خاصة في هذه الأزمة فمثلاً أنا دفعت 28 ألف ليرة سورية ثمن ظرف البندورة العام الماضي وبداخله 1400 بذرة لم ينبت أكثر من 70 % منها عندما كان الدولار ب 300 ليرة ودفعت 15 ألف ليرة سورية ثمن ظرف الخيار الذي يحتوي 2500 بذرة في حين كان ثمن غرام بذار الخس نحو 1000 ليرة سورية وفي الموسم كانت أسعار الأسمدة والمبيدات غالية جداً وزادت الأجور فكيف سأحصل على ربع الربح الذي يجنيه التاجر الذي لا يدفع شيئاً؟!. هناك أمر آخر في سوق الهال بطرطوس حيث يتم خصم 10% كمسيون على البضاعة وهو رقم كبير جداً إضافة إلى خصم 3% من الوزن والانكى من كل هذا وجود عناصر الشرطة التي تشاركك في الرزق وفي قبض ثمن تعبك من خلال عمليات السلبطة على البضاعة وعلى القبّان فهل من رادع لهؤلاء ياترى؟!

طبعاً جولتنا شملت محلات السمانة أيضاً حيث ارتفاع الأسعار بشكل مخيف وخاصة تلك التي تتعلق بأسعار المنظفات والمواد الاستهلاكية حيث لا رقيب على التاجر سوى ما تبقى من بقيّة ضئيلة من أخلاق في معظم الحالات:

ام محمد تحدثت بحرقة عن الأسعار وما وصلت إليه الحال للعديد من الأسر وأضافت بسخرية مرّة: لقد كنّا نجد في الفلافل والبطاطا أحياناً مهرب من الغلاء وكنّا نحلم بسندويشة الشاورما والآن باتت سندويشة الفلافل حلم لأولادنا!!. ماذا نقول وليس بيدنا من حيلة مع هؤلاء فعندما تنام عين الرقيب يسرح اللصوص وهذا الواقع الذي دفعنا ثمنه بالأمن والأمان ندفع بقية الثمن من لقمة أولادنا ولا يسعنا إلا أن نطلق الصوت عالياً للمسؤولين: ارحمونا فالأسعار تكوينا!!

أخيراً

لقد بانت أنياب الأزمة بشكلها البشع من خلال تقاعس المعنيين عن المعالجة حتى ولو في حدودها الدنيا وباتت جيوب أصحاب الامتيازات في كافة المجالات متخمة في حين لا زال المواطن يقول في سرّه:

اللهم نجّنا من الآتي يا ارحم الراحمين!!

العدد 1140 - 22/01/2025