ماذا عن وقف استنزاف دخل المستهلك

النوم بات الأرخص للمستهلك… والبائعون ينجّمون بـ«الفنجان»..

 بات (النوم) هو الأرخص للموطن، هذه العبارة التي قالها أحد المواطنين عندما علم بأن الأسعار قابلة للارتفاع أكثر ضمن الأسواق، مشيراً إلى أنه عندما ينام المواطن فإنه لا يأكل ولا يشرب ولا يدخن ولا يستهلك أي شيء، لذا فإن النوم هو الأفضل له والأرخص والأكثر راحة لأعصابه.

لا شك أن المتتبع لأسواقنا يصل إلى نتيجة مفادها أن الأسواق لدينا شديدة الحساسية لأي قرار أو أي تذبذب في سعر الصرف، بل إنها (تضرب في الفنجان) حول أسعار الصرف، فتتوقع ارتفاعه، ومع هذا التوقع ترفع الأسعار، وتضع هوامش كبيرة لتذبذب سعر الصرف، ولا يتحمل نتائج هذه التوقعات إلا المستهلك.

الجمود، أو كما وصفته جمعية صاغة دمشق بـ(التريث)، شمل الكثير من المحال التجارية، وطال أيضاً مراكز الجملة ومحلات الألبسة والأغذية وحتى الصاغة كما ذكرنا، وبات لأي مادة سعران أو ثلاثة وربما أكثر، فسعر غرام الذهب عند جمعية الصاغة هو 17700 ليرة في حين أنه يباع لدى محلات الصاغة، طبعاً في حال وافقوا على البيع ب(18500) ليرة، ويرجع بعض الصاغة التريث في البيع أو البيع بسعر مرتفع إلى أنهم لا يستطيعون الحصول على كميات بديلة من الذهب التي يبيعونها للمواطن من سوق الصاغة (الجملة)، وهذا يعرضهم لخسائر كبيرة وفق قول أحد الصاغة لـ(النور)، أما بالنسبة للبيع بسعر أعلى من سعر جمعية الصاغة فقد أرجع سبب ذلك إلى أن التسعيرة التي يضعها الصائغ تحمل أجرة الغرام، إضافة إلى هامش لتذبذب سعر الصرف، لكي لا يخسر الصائغ وخاصة مع التفاوت الكبير بسعر غرام الذهب مؤخراً، والذي تراوح ما بين 400 و 500 ليرة يومياً.

ولا يخفى على أحد الحركة الكبيرة على شراء الذهب من قبل المواطنين، وخاصة ذهب الادخار من ليرات وأونصات، وذلك كنوع من الحفاظ على المدخرات، ولأن الذهب يعتبر سلعة أكثر سهولة في البيع والشراء، وقانونية، على عكس الدولار الذي يعتبر التعامل معه خطيراً وغير قانوني، وقد يعرّض صاحبه لخسائر انخفاضه فجأة.

هذا الأمر انسحب أيضاً على بقية السلع ومنها الغذائية، فحالياً فوارق أسعار المواد الغذائية تصل إلى 20% بين محال المفرق، وكذلك الأمر بالنسبة لمراكز الجملة التي بدأ تضع تسعيرات احترازية من أي ارتفاع قد يطرأ على سعر الصرف، بالطبع هذه الفوارق والارتفاعات أنهكت المستهلك كثيراً، فمثلاً سعر ليتر الزيت الأبيض بلغ 600 ليرة، وفي بعض المحلات 700 ليرة وفي محال أخرى انخفض إلى 550 ليرة، أما المشروب الشعبي المتة، فقد وصل سعرها إلى حدود 540 ليرة وفي محال أخرى إلى 500 وانخفض في بعضها الأخر إلى 420 ليرة، وكذلك الأمر بالنسبة للسكر الذي بلغ 350 ليرة ويباع في بعض المحال بـ330 ليرة، أي أن فوارق السعر ليست بقليلة، وهذا الأمر دفع بالمستهلك إلى عمليات بحث واستقصاء بين المحال للعثور على السلع الأقل سعراً، أو على البائع الذي لا يزال يسعّر بضائعه على (السعر القديم).

أما تجار الألبسة أيضاً فقد واجهوا الأمر نفسه ، واضطر بعضهم لإغلاق محلاتهم، وفق ما أكدته غرفة تجارة دمشق، التي ذكرت على لسان أحد أعضائها أن بعض تجار سوق الحريقة في دمشق اضطروا لإغلاق محلاتهم إلى حين استقرار الأسعار.

وذكر أحد تجار الألبسة لـ(النور) أن جموداً كبيراً (يضرب) سوق الألبسة وخاصة مع ارتفاع أسعارها، وفرض أسعار زائدة من قبل باعة الجملة، فمثلاً إذا أردنا شراء ألبسة من سوق الجملة في دمشق فإن التاجر يضع 200 ليرة فوق سعر كل قطعة ألبسة وذلك تحسباً من ارتفاع سعرها لاحقاً، وبالطبع بائع المفرق- والحديث ما يزال لـ(التاجر)، مضطر للشراء لأنه يحتاج إلى قلب السيولة التي بيده إلى بضائع، وخشية من ارتفاع أكبر قد يطول أسعار الألبسة، وهذا الأمر انعكس بشكل مباشر على المشتري من المستهلكين، وأيضاً انعكس بشكل مباشر على المبيعات اليومية التي انخفضت بشكل كبير، لضعف القدرة الشرائية لدى معظم المواطنين.

وجه المستهلك حالياً لا يمكن تفسيره، فأي وجبة أصبحت تكلف ألفي ليرة كحد أدنى، وقد ذكر أحد المستهلكين لـ(النور) أنه أراد أن يتناول وجبة شعبية (تسقية) ولكن انصدم بتكلفتها التي بلغت أكثر من 700 ليرة، وهي عبارة عن خبز وحمص وبعض اللبن والطحينة، في حين قال آخر بأن الوضع المعيشي بات صعباً كثيراً والأسرة حالياً تحتاج إلى أكثر من 150 ألف ليرة شهرياً لتسد رمقها، وخاصة في حال كانت تسكن بالإيجار.

ما نود الإشارة إليه أنه من الضروري جداً أن يكون هناك تحرك عاجل لوقف هذا الاستنزاف الكبير في دخل المواطن، ووقف هذا النزيف لا تتحمل مسؤوليته الحكومة وحدها، بل يجب أن تتعاون مختلف الفعاليات الاقتصادية لحمل هذه المسؤولية، من صناعيين وتجار وبائعين، ونحن لا نلوم التاجر عندما يتحرز في أسعاره لكي لا يتعرض لخسائر أو تآكل رأس ماله، ولكن في الوقت نفسه، الارتفاعات التي تحدث لا تعتبر منطقية مقارنة مع ارتفاع سعر الصرف،

فمثلاً ارتفاع سعر الصرف يكون بحدود 10 ليرات في حين أن بقية السلع ترتفع بمقدار 200 ليرة…هل يعقل أن يضع البائع هامشاً احترازياً بهذا القدر؟!!، هذا لم يعد احترازاً بل أصبح جشعاً واستغلالاً.. وأيضاً نعول كثيراً على مؤسسات التدخل الإيجابي التي يجب أن تتحرك بشكل سريع وفوري في طرح سلل غذائية لمعظم المواطنين، وبأسعار تنافسية ورمزية ولو حتى برأسمالها دون ربح، وهنا يجب أن توجه الحكومة هذه المؤسسات وخاصة في هذه الأوقات الصعبة التي تمر على المستهلك بأن تكون غاية هذه المؤسسات اجتماعية وليست اقتصادية، أي تستغني عن ربحها في هذه السلل الغذائية وتضع أرباحاً بنسب مخفضة على بقية السلع التي تعرضها في صالاتها مع التركيز على أهمية توسيع هذه الصالات، التي تعتبر غائبة كلياً في المناطق الريفية وخاصة في ريف دمشق الشمالي وبقية المحافظات، فالأرياف لا تقل أهمية عن مراكز المدن وخاصة أنها مناطق آمنة وفيها تجمعات سكانية كبيرة.

العدد 1140 - 22/01/2025