«حيـاة شخـص عادي» لـكارل تشابك يترجمهـا د. عصام رمضان
ما إن يرد ذكر الأدب التشيكي حتى يتبادر إلى الأذهان اسم (كارل تشابك)، الأديب الذي قدم للعالم أكثر من خمسين كتاباً في المجالات الأدبية والفلسفية وأدب الرحلات والمسرح، إضافة إلى عمله في الصحافة. وقد ترجمت معظم أعماله إلى اللغات العالمية كافة. ومؤخراً قدمت دار نلسن في بيروت ترجمة لروايته (حياة شخص عادي) التي تعتبر جزءاً من ثلاثية وهي (هوريال) و(النيزك) و(حياة شخص عادي). قام بالترجمة الدكتور عصام الدين رمضان، وهو سوري يعيش حالياً في مدينة بلزن التشيكية، ويعمل محاضراً في جامعة غرب بوهيميا.
والرواية المذكورة يمكن أن تعتبر من الأعمال المعتمدة على التحليل النفسي، فحياة شخص عادي هي حكاية كل واحد منا، إنها حكاية الإنسان الذي يولد ليضع قدمه على السكة المرسومة متابعاً رحلته من محطة الطفولة إلى محطة العلم ثم محطة الحب وبعدها محطة العمل والاستقرار، إلى أن يصل إلى المحطة الأخيرة، محطة الشيخوخة حيث انتظار الموت.
إنها حكاية الطموح البشري أمام القدر المحتوم المتمثل بالسكة، القدر المهيمن على حياتنا بأشكال متعددة، فالطالب الريفي الذي تربى في عزلة على يد والدته بات يخاف من كل شيء، فما إن ينزل المدينة مبتعداً عن جو أسرته الضيق حتى نراه باحثاً عن أقرب محطة يرتاح فيها، فيختار طريق الوظيفة الحكومية التي تعني له الأمان من الزمن والمصادفات، ومتحولاً من طالب طموح إلى موظف بيروقراطي في السكة الحديدية، يسير البطل على الخط المرسوم لا يحيد عن سكته، تصبح المحطة هي حياته كلها، وعندما يفكر بالزواج لا يخطر بباله إلا ابنة ناظر المحطة، وفيما بعد يصبح هو ناظراً لمحطة القطار، ويكون هذا نهاية الحلم، إلى أن يأتي شبح الموت، فيبدأ بالنظر إلى أول السكة ليعيد التفكير بحياته : كيف وصل إلى هنا، وما كان ممكناً أن يكونه لو لم يكن ناظر محطة للقطارات.
يقول البطل مفكراً بماضي حياته: (في ذلك الوقت أصبحت أرى كل شيء بوضوح لأن قرقعة وأصوات السكك الحديدية لم تكن بالنسبة لي سوى مفترق طرق في حياتي. يبدو أن هناك شيئاً ما في الإنسان يمنعه من أن يضع قدميه في الطريق النهائي والمقرر لحياته، لأنه قبل ذلك يملك إمكانيات متعددة ليصبح هذا الشيء أو ذاك، ليذهب إلى هنا أو إلى هناك، لكن الواقع يقول إنه سيأتي الوقت الذي يضطره إلى الرضا بما قسم له رغماً عن إرادته).
من الجدير بالذكر أن كارل تشابك لم يعش طويلاً، إذ بلغ محطة الموت قبل أن يبلغ الخمسين من عمره، وفي رحلته القصيرة تلك قدم الكثير من العطاء على الصعيد الأدبي والحياتي، فحين تخرج في الجامعة بدأت الحرب العالمية الأولى، فكر الكاتب الشاب في أسباب الصراعات الدامية، لم يكن غير مبال بتطور الحضارة الإنسانية، وكانت الأزمة الاقتصادية والتهديد بإراقة الدماء من المشاكل التي احتلت معظم أفكار الكاتب، وأصبح تشابك مشاركاً في الحركة المناهضة للفاشية، واحتلت الحرب مكاناً خاصاً في أعماله. وفي عام 1938 قام بالمساعدة على إزالة آثار الفيضانات التي عمت تشيكسلوفاكيا في تلك الفترة في منطقة بوهيميا أي التشيك، وأصيب على إثرها بالتهاب رئوي ما أودى بحياته في العام نفسه عن عمر الثامنة والأربعين. ويعتبر كارل تشابك من الكتاب المعادين للحرب، وكتب في هذا المجال قصة (كراكاتيت) التي تتحدث عن اختراع مادة كيميائية تدمر كل شيء على نطاق واسع. ويوضح في هذه القصة تطلع بعض الأشخاص إلى حكم العالم عن طريق الأسلحة المدمرة، ومازال ما طرحه تشابك في هذه القصة من الموضوعات الملحة في عصرنا الحاضر. وفي إحدى مسرحياته يطلق على الرجل الآلي في هذه المسرحية اسم روبوت، ومن هنا انتشر هذا المصطلح في كل أنحاء العالم.
أما بالنسبة للرواية التي هي موضوع حديثنا، فلا بد من الإشارة إلى أسلوب الترجمة الذي تميز بالقدرة على استعمال لغة واضحة ومعبرة عن روح النص، فالمترجم الحاصل على الدكتوراه في علم الاجتماع له ترجمات سابقة لعدد من الدراسات الأدبية من اللغة العربية حول الصوفية، إضافة إلى إصدار كتاب (حكايات عربية تقليدية) باللغتين العربية والتشيكية.