نمر: واشنطن تشجّع التدخل التركي السعودي

 قدّم الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد، في الاجتماع الموسّع للجنة المركزية للحزب، يوم الجمعة 19/2/،2016 تقريراً عن آخر تطورات الوضع السياسي، نوقش في الاجتماع وأُقرّ، بعد أن أُخذ بالاعتبار ما لا يمسّ جوهر التقرير من الملاحظات، وهذا نصه:

تتسع دائرة الحرب بين سورية وحلفائها من جهة، والإرهابيين وحماتهم ومموّليهم من جهة ثانية.. كما تتسع دائرة العمل السياسي على مستوى دولي، ويتعقّد المشهد بجانبيه العسكري والسياسي، لدرجة أن الحديث عن حرب عالمية ثالثة لم يعد أمراً مستهجناً، بصرف النظر عن صحة هذا الحديث أو عدم دقته، ولكنه يشير إلى مدى خطورة الوضع.

ونحن هنا لن نغرق في سرد التفاصيل والوقائع اليومية، فلا بد أنكم تتابعونها بمختلف الوسائل ما يغني عن تكرارها، باستثناء ما يتطلبه التحليل من إلقاء الضوء على بعض المحطات الميدانية الهامة.

إن تاريخ 30/9/2015 هو نقطة علام في تاريخ هذه الحرب، ففيه دخل السلاح الجوي الروسي أرض المعركة، وبذلك تغيّر الميزان العام للقوى في المنطقة، وتوالت بعد ذلك الإنجازات العسكرية السورية- الروسية.

في الوقت ذاته لم تنقطع المشاورات الأمريكية الروسية حول سبل إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وقد أسفرت هذه المشاورات بعد جهد جهيد عن إحراز بعض التقدم الذي تجسّد في قرارات فيينا، التي صادق عليها مجلس الأمن الدولي، والتي اعتبرت في صالح سورية، وكان من أهمها عدم التطرق إلى موضوع رئاسة الجمهورية ولا إلى الهيئة الانتقالية، والتأكيد على الحل السياسي وإقامة حوار سوري – سوري.

بعد الإنجازات العسكرية وبعد قرارات اجتماع فيينا ومجلس الأمن وتغيّر مواقف بعض البلدان الأوربية والعربية وانقلاب المزاج العام في العالم ضد الإرهاب، وإلى موقف مؤيد لسورية، أو الانتقال من الحياد إلى تفهّم الموقف السوري، وافتضاح حقيقة الصراع في المنطقة وحقيقة المشروع التكفيري المتواطئ مع المشروع الإمبريالي والصهيوني، كل هذه التطورات سبقت أو أحاطت بالتحضيرات لاجتماع جنيف3.

وقد بدا جلياً أن المعسكر الرجعي غير مرتاح لما سيعرض في جنيف،3 لذلك بدأ التصويب عليه باكراً، واتخذ ذلك عدة مظاهر، أولها تمسّك السعودية بقيادتها وتوجيهها للوفد الذي يمثلها، واستبعاد المعارضة السورية الوطنية التي يمكن أن تلتقي مع سورية حول نقاط عديدة، مثل تيار قمح، وقدري جميل، وماجد حبو، وجيش سورية الديمقراطية وغيرهم.. ثم العودة إلى نغمة تنحّي الرئيس، والإصرار على استبعاد الأكراد أيضاً.

الإدارة الأمريكية أصيبت بإحراج شديد، لأنها كانت قد أرغمت عملاءها السعوديين والأتراك وقطر على أن يقبلوا بما اتفقت عليه مع الروس، وبأنها ستعوض لهم أي خسارة معنوية أو سياسية.

في هذه الأثناء تتالت الإنجازات العسكرية، وجرى تحرير سلمى وربيعة ومعظم ريف اللاذقية الشمالي، وكفر نبّل والزهراء في حلب، والشيخ مسكين في درعا، ما أفقد الإرهابيين وأسيادهم صوابهم، فأصيبوا بالذعر خاصة أنه أصبح مكشوفاً تماماً أن الحملة لم تعد تقتصر على هذه المواقع الهامة، بل امتدت لاحقاً إلى مطار منغ وأجزاء واسعة من ريف حلب، وقد تأكد الجميع أن معركة حلب ستكون النقطة الفاصلة في هذه الحرب، فالمواقع تتساقط واحداً بعد الآخر، وتدنّت الروح المعنوية لدى الإرهابيين، وأخذوا يرحّلون عائلاتهم إلى حيث أتوا عن طريق تركيا.

ووفقاً للمستوى الذهني المتخلف لدى القيادة السعودية الحالية التي يترأسها فعلياً وليّ وليّ العهد، المعروف بطبعه المغامر والوقح، كان لابد من أن يسير نظامه وطموحه نحو الهاوية فيما إذا انقاد إلى تنفيذ التفاهمات الروسية- الأمريكية حول شروط الحل السياسي، لذلك أخذ يتشدّد أكثر فأكثر ويعلن تمرده على قادته الأمريكان، ولما كان هذا الولي لم يتمكن من إخافة سورية وإزعاج روسيا، لذلك ارتأى واختار طريق التصعيد، فأعلن عن نيته خوض معركة عسكرية لإسقاط الدولة السورية، وقد أرسل لهذا الهدف أسراباً من طائرات الفانتوم الأمريكية إلى قاعدة (إنجرليك) التركية، وجرت مناورات عسكرية فورية اشتركت فيها أكثر من 20 دولة، كما راجت أنباء حول وصول ألوف الجنود السعوديين إلى تركيا للبدء بحملة التسلل إلى سورية، بحجة مكافحة (داعش)، لكن حقيقة الأمر باتت معروفة للقاصي والداني.

وجاء رد الفعل على هذا التصعيد السعودي- التركي هادئاً وحازماً وقوياً (أن كل تحليق في السماء فوق الأراضي السوية سيعتبر عدواناً على سورية) وتحركت القوى العسكرية الروسية والسورية واتخذت وضعية الاستعداد. وعلى صعيد جنيف3 فقد أُجّل انعقاده إلى 25 من الشهر الجاري من أجل رأب (الصدع) إن جاز التعبير بين الأسلوبين الأمريكي والتركي، للعودة إلى جنيف3.

إذاً، نحن على بعد أيام من الجولة التالية، فهل سيشهد هذا الاجتماع تهدئة الأوضاع أم ينفجر من داخله، ويدخل المنطقة بكاملها في دائرة الخطر والحرب على نطاق أوسع، كما قال مدفيديف.

ليس بوسع أحد أن يجزم بما تخبئه الأيام لشعوب هذه المنطقة، فالذين يرون أن تجدّد الحرب هو المستقبل القريب الذي ينتظرها يستندون إلى الشواهد التالية:

1- إن المعسكر الرجعي التكفيري الإمبريالي لم يتمكن حتى الآن من تحقيق أي نصر عسكري على سورية، وإن بقي هذا المعسكر دون تقدم فسوف يعرّضه ذلك لانتكاسة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

2- تخسر أمريكا محاولاتها للسيطرة على العالم وينتكس مشروع العالم الأحادي القطب.

3- إذا ظهرت سورية بمظهر الرابح للمعركة فسوف ينتعش محور المقاومة من الجولان حتى روسيا مروراً بسورية وجنوب لبنان وإيران.

4- سوف تتهدّد عروش وتتهاوى ممالك، وستنضم مصر والعراق إلى دائرة التحالف القوي مع سورية.

5- إسرائيل ستكون المتضرر الأكبر من تعزّز قوة سورية ومحور المقاومة، وهي حذرة الآن بل ومذعورة من تزايد قوة الجيش السوري، ومن وجود قوى عسكرية للدفاع عن سورية فوق أرضها قادمة من روسيا، حاملة معها الدمار للإرهابيين ولمشروعهم بكامله.

والذين يرون عكس ذلك يعتقدون ما يلي:

أ- إن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تغامر بحلفائها أو تتركهم يتساقطون بسبب أية مغامرة فاشلة قد يقومون بها ضد سورية.

ب- إن قوة روسيا العاملة فوق الأراضي السورية جعلت العسكريين الأمريكان يتشاءمون سلفاً من نتائج أي نزاع عسكري أمريكي- روسي.

ت- لا يستطيع أي حاكم أمريكي اتخاذ قرارات مثل قرار الحرب قبيل الانتخابات الرئاسية، وذلك وفق العرف المعمول به في أمريكا.

ث- ليس من المضمون أن تقف أوربا مع الولايات المتحدة، إذا حصل نزاع عسكري أمريكي- روسي.

ونحن نرى أن أمريكا تعرف تماماً مواطن ضعفها، لذلك فهي لن تدخل في معركة غير مضمونة النتائج، والإدارة الأمريكية لن تعطي الفرصة للجمهوريين بالفوز، بل يمكن أن تعمل على توريطهم في الحرب.

لذلك نرجّح أن تقف أمريكا خلف ظهر السعوديين والأتراك وتشجّعهم على الاستمرار بمناوشة سورية وعدم إيصالها إلى الاستقرار، وتبقي الحبل ممدوداً للإرهابيين بما يكفي لاستنزافها.

إن هذه الحالة، حالة الاستنزاف، تحتاج إلى عنصرين أساسيين للتخلص منها: أولاً_ استمرار دعم الجيش العربي السوري بكل عناصر القوة، ودعم الصداقة السورية الروسية وتطويرها، وثانياً_ الاستمرار بالمساعي الدبلوماسية والسياسية لإيجاد حلّ سياسي يحفظ وحدة سورية وسلامة أراضيها ويضمن تجدّدها وازدهارها.

العدد 1136 - 18/12/2024