التوجه الاشتراكي والتحولات الاجتماعية في السياسة والاقتصاد!
يؤكد علم الاجتماع المعاصر، بصرف النظر عن توجهاته، يؤكد أن التحولات الجذرية التي تجري في المجتمعات، تعني بالدرجة الأولى تغيّراً جذرياً في علاقات الإنتاج. وبالتالي يجب عدم النظر إلى التغيّرات والتحولات التي تجري في البلدان الرأسمالية أو شبه الرأسمالية، كالتأميم، على سبيل المثال، على أنها تحولات جذرية في طبيعة النظام، لأنه يجب النظر بالدرجة الأولى إلى القوى الاجتماعية التي تقف وراء هذه التغيرات.. وعدم الأخذ بذلك يؤدي إلى الوقوع في أوهام، مبالغ بها، حول طبيعة هذه التدابير. وهذا ما جرى بالفعل في تاريخ البلدان العربية المعاصر، فقد جرى تفسير الكثير من الإجراءات التي اتُّخِذت في عدد منها على أنها تحولات اشتراكية، بينما هي ليست كذلك في الواقع.
إذاً لا بد من توفر شرطين أساسيين للتحولات الجذرية.. أولهما إحداث تغيّر جذري في علاقات الإنتاج. وثانيهما القوى التي تقف وراء هذه التحولات، والتي يجب أن يكون لها مصلحة اجتماعية في ذلك.
لقد جرى الكثير من النقاشات سابقاً في أوساط الحركات الاشتراكية حول محتوى التدابير الاقتصادية التي جرت في بعض هذه البلدان، مثل: التأميم والإصلاح الزراعي وغيرهما، ومغزى هذه التدابير، وجرت تقييمات مختلفة حول تفسيرها. فمنهم من بالغ واعتبرها تدابير اشتراكية، انطلاقاً من اعتبارهم أن ملكية الدولة هي ملكية اشتراكية. ومنهم من اعتبرها مقدمة لتحول جذري في تلك المجتمعات. أي أنها تحول جذري في علاقات الإنتاج. ومنهم من وقف ضد هذه التحولات واعتبرها عائقاً أمام تطور القوى المنتجة، لأنها ستؤدي إلى إعاقتها لهذا التطور. ومنهم من اعتبرها لا تخرج عن سياق علاقات الإنتاج الرأسمالية، وما هي إلا عبارة عن رأسمالية الدولة، التي تخدم مصالح الطبقة البرجوازية.
باختصار: إن هذا الجدل مستمر إلى وقتنا الحاضر. بيد أن أفكاراً جديدة تلوح، وهي قديمة حديثة. إن ماركس في وقته قد اعتبر أن الاشتراكية، كتشكيلة اجتماعية، هي أرقى من الرأسمالية. وبالتالي تتميز بوسائل إنتاج أكثر تطوراً. فلا يمكن أن تبنى الاشتراكية بالاستناد إلى وسائل إنتاج متخلفة.
الاشتراكية يجب أن تعني الوفرة في الخيرات المادية.. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال وسائل إنتاج متطورة قادرة على خلق هذه الوفرة.
ربما يكون هذا الرأي هو الأقرب إلى الرأي الصائب، لأنه، من جهة، لا يحول دون تطور القطاع الخاص، فالمرحلة الحالية هي ليست مرحلة تحولات اشتراكية. وثانياً، يضمن تطوراً متناسقاً يوفر الشروط الضرورية للسيادة الوطنية. ومن جهة ثالثة، يحقق تنمية تؤدي إلى تطور مستمر في حياة الجماهير الشعبية. أي يؤدي ذلك إلى توازن ضروري لهذه المرحلة من مراحل تطور مجتمعاتنا. وإن حدوث أي خرق في هذا التوازن سيؤدي إلى تعثر التطور الاقتصادي الاجتماعي وستكون له انعكاسات كبيرة على مستوى البلاد بأسرها، إن كان اقتصادياً أو اجتماعياً. إن الحفاظ على هذا التوازن ضروري جداً في الوقت الحاضر من أجل تحقيق وتأمين الترابط العميق بين المسألة الوطنية والمسألة الاجتماعية. وأي خرق في هذا التوازن سيؤدي إلى إضعاف كلٍّ من طرفي هذه المعادلة.
إن السياسة الوطنية يجب ان يكون لها بعدها الاقتصادي الاجتماعي التنموي. فإذا افتقدت هذا البعد ستكون هشّة وضعيفة وعرضة للانهيار والسقوط. وهذه المسألة هامة جداً في الظرف الراهن بالنسبة لسورية التي تخوض معركة وطنية جوهرها الحفاظ على وحدة البلاد وعلى نسيجها المتنوع، وهي تقتضي إيلاء الاهتمام الكبير للجوانب الاقتصادية الاجتماعية التي تشكل أساساً لتحقيق الانتصار في هذه المعركة.
من هنا تبرز أهمية التوجه السوري في هذا الظرف الذي يجب أن يكون نحو إحداث تغيّر شامل وبنيوي في مجمل السياسة الاقتصادية الاجتماعية، بحيث تعزز النهج الوطني وتعزز وحدة البلاد وانصهار نسيجها الاجتماعي.