اللحام: الحكومة تواصل نهجها النيوليبرالي
..ثم قدّم الرفيق فؤاد اللحام (عضو المكتب السياسي) تقريراً عن بعض القضايا الاقتصادية_ الاجتماعية، فيما يلي نصّه:
مع استمرار الأزمة السورية وقرب دخولها عامها السادس، تزداد الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأزمة اتساعاً وعمقاً وتعقيداً، نتيجة تصاعد المعارك مع الجماعات المسلحة واستمرار المقاطعة والحصار من معظم الدول العربية والأجنبية، والتراجع الكبير في موارد الدولة من ناحية، وازدياد عمليات القتل والتدمير والتهجير والحصار وانعدام الأمن والأمان في العديد من المناطق من ناحية أخرى، إضافة إلى استفحال الغلاء ووصوله إلى مستويات قياسية، ما يزيد من تدني المستوى المعيشي للمواطنين في كل أرجاء سورية وإن بشكل متفاوت بين هذه المنطقة أو تلك.
وما تزال الخسائر الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إليها الأزمة قيد التوسع والزيادة، وماتزال الأرقام والمعلومات التفصيلية حولها غير مكتملة وفي ازدياد مستمر، وينشر بعضها بشكل رسمي – إن وجد -بشكل محدود وفي بعض المجالات، بما يبرر بعض سياسات الحكومة وإجراءاتها ، الأمر الذي يفتح المجال أمام الباحثين والجهات غير الرسمية للاجتهاد في تقدير هذه الأضرار ومنعكساتها على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. وتشير بعض هذه التقارير إلى ارتفاع الخسائر الناجمة عن الأزمة لغاية عام 2015 إلى نحو 255 مليار دولار، إضافة إلى تراجع معدلات الاستهلاك والاستثمار وحجم الصادرات والمستوردات مع ارتفاع عجز الموازنة العامة. يضاف إلى ذلك ارتفاع عدد النازحين داخلياً وخارجياً إلى أكثر من 9 ملايين نسمة، وارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى نحو 9,2 مليون شخص. كما يشير أحد التقارير إلى وصول نسبة الفقر العام في عام 2015 إلى نحو 85,2 % من السكان، ونسبة من يعيشون في فقر شديد 69,3% من السكان، وهم غير قادرين على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية. كما بات نحو 35% من السكان يعيشون في فقر مدقع، غير قادرين على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية الأساسية.
في ظل هذه الأوضاع الصعبة تابعت الحكومة نهجها النيوليبرالي في تحرير الاقتصاد وتخفيض الدعم ورفع أسعار المنتجات والخدمات الأساسية والضرورية، وكذلك زيادة عدد من الرسوم والضرائب، بذريعة ضعف الإيرادات وترشيد الدعم وإيصاله إلى مستحقيه. وقد كان واضحا أن عدداً من القرارات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة كان متسرعاً ولم تُدرس بشكل مناسب، ما أدى إلى عدم تحقيق الغايات المرجوة منها.كما صدر قانون التشاركية الذي أثار وما يزال الكثير من التساؤلات والتحفظات حول عدد من مواده الرامية إلى تراجع دور الدولة في العديد من المجالات السيادية وفتحها أمام القطاع الخاص المحلي والأجنبي وسط مخاوف من ترتيب وتصميم تنفيذ هذه الأمور لصالح جهات محددة ومعروفة…. وقد تحفّظ حزبنا على هذا القانون في كل مراحل مناقشته، إضافة إلى العديد من مشاريع القوانين والمراسيم ذات التوجه نفسه.
أصبح التراجع المستمر في قيمة الليرة السورية أمراً مألوفاً نتيجة سياسات البنك المركزي المتخبطة، والتي ما تزال تتبع نهج خطوة إلى الوراء المتمثلة في التثبيت والتراجع المؤقت لعدة أيام، تتلوها خطوتان إلى الأمام في ارتفاع سعر القطع الأجنبي، الأمر الذي يشكل مجالاً واسعاً للمضاربين على العملة وشركاؤهم في جني الأرباح الهائلة من هذه السياسة. ولابد من الإشارة هنا إلى السعر المنخفض الذي وضعه المصرف المركزي لتحويلات السوريين من الخارج، بفارق 40-50 ليرة سورية في الدولار الواحد، وإن خفّض هذا الفرق بعض الشيء مؤخراً إلا أن آثاره السلبية قد أدت إلى خسائر كبيرة في إيرادات البلد من القطع الأجنبي الذي يتم تحويله بطرق أخرى.
لقد مارس الحزب الشيوعي السوري الموحد، كما هو معروف عنه، دوراً مسؤولاً في مناقشة مختلف القرارات والتوجهات الاقتصادية والاجتماعية ذات الطابع الانفتاحي في كل المستويات (القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، مجلس الشعب، مجلس الوزراء وغيرها…) إضافة إلى تناول هذه المسائل في صحيفة (النور) ولم يكن موقفه محصوراً في رفض عدد من هذه الإجراءات والتحفظ عليها، بل كان يبين في كل مرة أسباب اعتراضه ويقدم البديل..
إن الحزب الشيوعي السوري الموحد يدرك المصاعب الكبيرة التي تواجه الحكومة في عملها، سواء لجهة التراجع الكبير في الموارد من ناحية، وزيادة الإنفاق بكل أشكاله العسكري والمدني الضروري من ناحية أخرى، بهدف تأمين المستلزمات الضرورية للمواطنين، إلا أنه يدرك في الوقت نفسه أن العديد من الإجراءات والتدابير التي اتخذت وأثارت غضب المواطنين وتذمرهم كان بالإمكان أن تتخذ بصورة أفضل فيما لو نوقشت بشكل أعمق وبمشاركة المختصين والمعنيين.