كي لا ننسى…حنا دياب..صلابة وتواضع وحب للأرض
في بلدة عيون الوادي القريبة من مشتى الحلو والكفارين وغير البعيدة عن مدينة صافيتا، ولد حنا دياب عام 1922 من أسرة فلاحية متوسطة الحال، وقد هاجر والده إلى أمريكا الجنوبية، وهو لما يزل طفلاً، تركه مع والدته.. وقد قام خاله برعايته بعد هجرة والده، وأدخله مدرسة القرية الابتدائية الرسمية ونال الشهادة الابتدائية عام 1937. تفرغ الفتى حنا للعمل في الزراعة، وقد استهوته منذ ذلك الحين أعمال البستنة، التي ظلت هوايته الرئيسية حتى أواخر حياته.
في عام 1943 ينتسب إلى مدرسة اللاييك ويحصل خلال عام واحد على الشهادة المتوسطة لينتقل بعدها إلى مدرسة الغسانية في حمص، التي كان للشيوعيين فيها نفوذ قوي، ويحصل على الشهادة الثانوية.. وفي هذه المدرسة تتفتح عيونه على الأفكار الشيوعية ويصبح عضواً في الحزب الشيوعي السوري، رغم أن مقدمات ذلك كانت قد نشأت قبل ذلك في بلدته إذ كانت من البلدات الأولى التي أخذت تنتشر فيها الأفكار الشيوعية في عام 1940- 1941 بتأثير من الشيوعي القديم ابن منطقة صافيتا: بدر مرجان. ومنذ ذلك الحين ربط المناضل حنا دياب حياته بالحزب الشيوعي، وبقي مخلصاً له حتى النهاية.
في عامي 1946-1947 تجبر ظروف الحياة حنا دياب على ممارسة مهنة التعليم في بلدة الدريكيش التي كان يأتي إليها سيراً على الأقدام من قريته التي تبعد عنها نحو 20 كيلو متراً. وفي عام 1947 يُقبل في دار المعلمين العليا، ويصبح طالباً في كلية العلوم- قسم الفيزياء والكيمياء، وينشط أثناءها في صفوف منظمة الحزب في الجامعة، ويعتقل أثناء حكم الشيشكلي بسبب مشاركته في التظاهرات التي تطالب بسقوط الديكتاتورية.
في عام 1954 يقرر الحزب ترشيح حنا دياب للمجلس النيابي عن منطقة تلكلخ، ويخوض الانتخابات متنقلاً في قرى المنطقة، ورغم كل الحرب التي أثيرت ضده من قبل الإقطاعيين في المنطقة، فقد استطاع الحصول على نحو ألف صوت.. وكانت هذه الانتخابات المدرسة الجماهيرية الأولى التي انخرط فيها المناضل الشاب حنا دياب.
في أعوام 1954-1958 ينشط حنا دياب على ثلاث جبهات.. الجبهة الأولى هي التعليم، فقد عمل على تدريس مادتي الفيزياء والكيمياء في مدارس محافظة حمص.
والجبهة الثانية هي الجبهة السياسية، حيث عمل بكل طاقته الحيوية لتنفيذ المهام التي كانت توكَل له من الحزب، ويروي عنه تلامذته وجميع من عرفه بأنه كان يتمتع دون حدود بالصدر الواسع وبالإصغاء للآخرين، وبالتواضع ومحبة الناس، مما أكسبه الاحترام اللائق به.
أما الجبهة الثالثة فكانت جبهة الإنتاج.. لقد كان يملك قطعة صغيرة من الأرض، حوّلها بعرقه وجهده إلى بستان تنمو فيه أشجار التفاح المختلفة، وكان من الأوائل في المنطقة الذين نشروا زراعة هذه الأشجار المثمرة. كان يؤمن بأن إنتاج الخيرات المادية هو الأساس في أية عملية تنموية، وفي تكوين الوعي الاجتماعي. في أعوام الوحدة يعتقل الشيوعي حنا دياب مدرّس العلوم، ويزجّ به في سجن المزة ويتعرض للتعذيب والضغط كسائر المعتقلين الآخرين.
لقد تعرفت عليه هناك، كان يملك جاذبية، ويحوز على احترام المعتقلين، وكانت تؤلمه كثيراً موجة العداء للديمقراطية والشيوعية التي سيطرت على عقول من كان يقود سفينة الوحدة السورية المصرية، وكان يرى في هذه الموجة مقدمة لانهيار الوحدة التي قامت على بدايات خاطئة، وكان يؤلمه كذلك أن يضيع كدّه وعرقه سنين عديدة على الأرض الصغيرة التي ورثها عن والده، وحوّلها إلى حديقة تفاح مزهرة، وقد تحولت إلى خراب بعد اعتقاله.. كان هذا الأمر مبعث حزن شديد.. ومع ذلك فإن ارتباطه بالحزب لم يتزعزع وكان على استعداد للتضحية بكل شيء، من أجل القضية التي آمن بها.
وعندما خرج من السجن استمر في نشاطه الحزبي حتى آخر محطة من حياته.. كان ارتباطه بالحزب كبيراً، وبالأرض أيضاً عموماً، كان يرى فيها الأم التي أبدعت الحياة، ولذلك كانت تجب محبتها وصيانتها، وكانت إنسانيته تكمن في ذلك.