عفرين تحت الاحتلال التركي
أسفر العدوان التركي على منطقة عفرين واحتلالها، عن نزوح أكثر من 250 ألفاً من أهلها، إضافة إلى نحو نصف مليون ممن كانوا قد لجؤوا إليها في السنوات السابقة. وقد هام النازحون على وجوههم، تحت ضغط القصف والتهديدات المتلاحقة، ووصل بعضهم إلى القرى والمناطق القريبة (نُبّل والزهراء وتل رفعت ودير جمال وكفرنايا … وغيرها)، واضطر كثيرون إلى أن يبيتوا في العراء، وسط الحقول والبساتين.
وبعد أن فرض جيش الاحتلال التركي سيطرته على المنطقة، راح يرسّخ احتلاله من خلال:
– إقامة قواعد عسكرية ثابتة على قمم الجبال والمرتفعات، وضمن أملاك المواطنين.
– إطلاق أيدي الجماعات الجهادية الإسلامية، التي شاركت في العدوان، في قرى المنطقة وبلداتها، ليقوموا بعمليات نهب وسرقة، من أملاك المواطنين وبيوتهم، وليشنّوا حملات اعتقال واعتداءات على كرامة المواطنين، باقتحام المنازل ليلاً وسرقة محتوياتها أمام أصحابها، إذا كانوا موجودين، أو في غيابهم إذا كانوا قد نزحوا. وقد سرقوا مثلاً جميع الآليات التي وجدوها (سيارات، آليات زراعية، …إلخ)، ونقلوها إلى إعزاز، بؤرة الإسلاميين المتشددين.
– تأليب بعض المواطنين من العرب، وتحريضهم ضد المواطنين الكرد من أهالي عفرين، بهدف إشعال صراع عربي- كردي في المنطقة.
– تغيير معالم منطقة عفرين، وإدخال عشرات الآلاف من مهجّري الغوطة وغيرها إلى عفرين، لتغيير التركيب السكاني للمنطقة وتبديل الطابع الغالب على عفرين. ومن ذلك مثلاً تغيير الأسماء الكردية لبعض القرى والمواقع، وإطلاق أسماء تركية أو عربية، وامتدّ ذلك التغيير فشمل أسماء المحلات التي استولوا عليها، في شوارع عفرين (مثلاً مطعم الغوطة- ملحمة الغوطة).
– التضييق المباشر على المواطنين السوريين في القرى الإيزيدية في المنطقة، لإخراجهم من قراهم.
– البدء بترويج اللغة التركية في المنطقة، من خلال افتتاح بعض المدارس، وإدخال اللغة التركية في المنهاج، مع فرض طابع ديني طائفي على المنطقة. وقد بدأ الاحتلال محاولات جدّية لمنح بطاقات شخصية تركية للمواطنين.
– تشكيل مجالس وهيئات اختيارية، وتعيين مخاتير، في القرى.
– تشكيل لجان ومجالس محلية لمدينة عفرين ونواحيها الأربع، أعضاؤها من أهالي عفرين كرداً وعرباً، بعضهم من الأحزاب الكردية المنضوية ضمن (المجلس الوطني الكردي)، وأكثرهم مستقلّون. وقسم من هؤلاء الأعضاء كان يعيش في تركيا قبل أن يبدأ احتلال عفرين. لكنّ هذه المجالس لم تفعل، حتى اليوم، شيئاً على الأرض، وتبدو مهمّشة.
عودة محفوفة بالمخاطر.. والأتاوات!
بعد أن هدأت الأعمال القتالية، بدأ أهالي عفرين بالعودة إلى قراهم وبيوتهم، لكن هذه العودة محفوفة بالمخاطر، فهم لا يستطيعون استخدام السيارات، ولذلك فإنهم يخاطرون بالعودة مشياً على الأقدام، من نبّل والزهراء وغيرهما، وتتقاضى الحواجز الرسمية منهم أتاوات مرور (عن كل شخص 2000 ليرة)، وكذلك يجدون عراقيل على حواجز (اليي بي كي)، ورغم ذلك فإن عمليات العودة مستمرة، وهذا ما يستحق التشجيع، لأنه سيحافظ على هوية عفرين، ويسهم في الحفاظ على بيوتهم وأرضهم وأرزاقهم. وقد بلغ مجموع العائدين نحو 150 ألف مواطن. وما يزال أكثر من مئة ألف موزعين في قرى الشهباء، يعتمدون في حياتهم اليومية على الإغاثة والمعونات، وينتظرون الفرصة المناسبة للعودة.
الحواجز… تسهيل أم عرقلة؟
إنه لمن المستغرَب أن تعرقل حواجز الدولة عودة المواطنين من أهالي عفرين، بدلاً من تشجيعهم، وبدل أن تقدّم لهم تسهيلات ومساعدات تعينهم على الوصول إلى الحواجز التركية، ومتابعة طريقهم مشياً على الأقدام، فإنها تفرض عليهم أتاوات!
التغيير الديمغرافي هو الأخطر
لكن الأخطر في كل ما جرى ويجري هو عمليات التغيير الديمغرافي التي تُنفّذ في عفرين وغيرها من المناطق السورية، فالعائدون من أهالي عفرين يذهبون إلى بيوتهم، فيجدون أن عائلات من أهالي الغوطة قد أُسكِنت فيها، وهذا ما يفتح الباب لصراعات حادة بين المواطنين، فإذا كان بعض العائدين قد تمكّن من إقناع المهجّرين من أهل الغوطة الذين وجدهم في بيته بالإخلاء، بالتراضي، فإن آخرين يجري إخلاؤهم عنوةً، ويسعى العقلاء من الطرفين هناك لإيجاد حلول تمنع أن يدخل المواطنون في نفق الصراع، الذي يبدو أن الاحتلال التركي يدفع باتجاهه. وهذا الوضع يثير علامات استفهام، ذلك أنه ينبغي لعمليات نقل المسلحين وعائلاتهم من محيط دمشق أو من أي منطقة، ألا تكون مدخلاً لصراعات جديدة بين السوريين.
يجدر القول أخيراً إن الرفاق الشيوعيين في عفرين قد نظموا مظاهرة، أمام مجلس المدينة، احتجاجاً على تصرفات (الجيش الحر) والفصائل الجهادية المتعاونة معه ومع الاحتلال التركي.
فليتعاون كل السوريين لإخراج الاحتلال التركي، وعودة كل المهجّرين إلى بيوتهم، واستعادة السيادة على عفرين وغيرها من الأرض السورية.