الطريق إلى المصداقية

 أعلنت الحكومة منذ أمد قصير عن نيتها، أو على الأصح قرارها، بناء مطار جديد في دمشق، له أفضل مواصفات المطارات الدولية، من كل الجوانب الفنية والخدمية والمرافق وغيرها. وليس هذا المطار هو الوحيد الذي تزمع الحكومة إنشاءه، فهناك العديد من المشاريع الأخرى المُكلِفة التي تنوي القيام بها.

ورغم قناعة المواطنين بأهمية أن يكون لدى سورية مطار يشكل بوابة حضارية للبلاد، ولكنهم يتساءلون بحقّ: هل بناء هذا المطار وغيره من المشاريع المكلِفة، في هذه الظروف الصعبة جداً التي تعيشها البلاد، إذ لا يزال الإرهاب يمعن تخريباً وتدميراً في العديد من المناطق، وأصاب الخراب الكثير من البنى التحتية التي أنشئت بكد العمال السوريين وتعبهم وعرقهم، ودمرت مصانع البلاد ومزارعها على امتداد هذه السبع سنوات الصعبة والقاسية دون حدود على الشعب السوري، هل هو أمر له الأولوية في هذه المرحلة؟!

لقد أصبح الشعب السوري بمعظمه على قناعة بأن الحكومات المتعاقبة التي مرت على البلاد خلال هذه السنوات الماضية، كانت تفتقد إلى مشروع واضح حول مستقبل سورية بعد الأزمة، وحول اتجاهات تطورها اللاحق، وقد اتسمت سياساتها الاقتصادية الاجتماعية بالتخبط والارتجال وعدم تحديد الأوليات التي يجب الانطلاق منها، وخصوصاً أن الموارد الحكومية أصبحت، نتيجة التخريب الواسع الذي جرى في البلاد، شحيحة جداً.

إن ما تتطلبه المرحلة التي نعيشها الآن، من الحكومة، وما يتطلبه الشعب، وخصوصاً أن المعطيات تشير إلى أن الحرب السورية تتجه نحو خواتيمها، هو رسم سياسة واضحة للحكومة على الصعد كافة، تنطلق من الأوليات التي تبدأ:

أولاً من إعادة إعمار ما هدمته الحرب، بدءاً من:

– إعادة إعمار وترميم المؤسسات الإنتاجية الصناعية والزراعية، عماد الاقتصاد وبنيته الأساسية.

– إعادة ترميم البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية الضرورية لسير العملية   الإنتاجية، ولحركة الناس.

– الاهتمام بإعادة البناء لقطاع السكن الشعبي وتوظيف الاستثمارات في هذا المجال بما يخدم الشرائح الأوسع من الشعب، وتأجيل المشاريع غير الملحة حالياً، والتي لا يحتاج إليها الشعب في الظرف الراهن.

– الحد من الإنفاق الحكومي، والمؤتمرات والاجتماعات التي لا طائل لها، والإكثار من العمل، والحد من الهدر والبذخ والنفقات غير الإنتاجية.

– وضع آلية واضحة لمحاربة الفساد كمنظومة وتقليصه، وليس الاكتفاء فقط بمعالجات فردية تصيب فاسداً من هنا وفاسداً من هناك، مما سيعطي الحكومة مصداقية أمام الشعب.

– الاهتمام بقطاع الخدمات التي تمس الأكثرية الساحقة من المواطنين، وإعطاء هذا الاهتمام طابعاً ملموساً كي يشعر المواطن بأن الحكومة ساهرة على أمنه وسلامته، وأنه محترم في بلاده، وكذلك محاربة الغلاء المنفلت من عقاله دون أية رقابة من الدولة، وإصلاح النظام الضريبي الذي تنوء بثقله الجماهير الشعبية بصورة كبيرة. والكثير من الأوليات الأخرى التي لا مجال هنا لذكرها جميعاً.

إن الحكومة الحالية مدعوة للخروج من هذا التخبط، والتركيز على الأوليات التي تعيد إلى المواطن السوري المنكوب أمنه وكرامته واحترامه وسكناه وعمله، ذلك هو الطريق إلى كسب مصداقية الحكومة أمام الشعب.

العدد 1136 - 18/12/2024