شواطئ الفقراء الملوثة
في بلدنا، كل ما هو فوق الأرض وتحتها هو ملك لمن يقدر أن يستثمر ومعه أموال..في وطننا أنت تستحق العيش والرفاهية إن كانت جيوبك ممتلئة وسيارتك حديثة و(واسطتك سيف في ظهرك)، عندئذ لك الحق أن تتنعم وتعيش رفاهيتك وتحقق أحلامك في فردوس يشرع لك أبوابه ويضيء لك نجومه ويحتفل بك احتفال الفاتح المنتصر في زمن الهزائم والرماد. الأغنياء من أصحاب الامتيازات المالية فقط، هم من يحق لهم التمتع بجمال الطبيعة والأكل في المطاعم الفخمة قبالة الشواطئ النظيفة والتركيز على الشواطئ النظيفة يكون من اختصاص أصحاب المطاعم أنفسهم، فهم لن يسمحوا بتراكم النفايات أمام مرتادي مطاعمهم، وفي هده الأيام أصبحت المطاعم حكراً على نافخي الجيوب والخزائن من كبار التجار والفاسدين والمرتشين.
على الجانب الآخر من ضفة الحياة المظلمة حيث متجرعو الصبر وشاربو الضنك وشظف العيش في زوايا العشوائيات وسراديب القرى النائية وملاجئ نتاج الحروب ودمار البيوت، هؤلاء لا يحق لهم الحياة والتمتع بالحياة، لأن أبناء الحياة ومرفهي الحواس قد استولوا على كل الأمكنة، فسلبوهم حقهم في لقمة العيش والسكن الجيد والوظيفة المناسبة وحتى أبسط حقوقهم بالترويح عن النفس بات حكراً على من يعيش فوق الأرض لا تحتها. السياحة الشعبية لم تعد المكان الذي يجمع بسطاء الحياة من ذوي الدخل المحدود والدين لا طاقة لهم على ارتياد المطاعم..السياحة الشعبية أصبحت مفهوما لمكان تجمع الأوساخ والقاذورات في كل مكان يرتاده من يريد أن يروح عن نفسه قليلا من غير أن يضطر لدفع مبالغ تفوق واقعه المحدود، فلماذا يصر المسؤولون في وزارة السياحة على ربط كل ما هو شعبي بالقاذورات والنفايات؟ أم أن البسطاء لا يحق لهم السياحة في وطنهم دونما أوساخ تتراكم أمامهم، ودونما بحر مثقل بشتى أصناف المخلفات البشرية وغير البشرية؟
مؤلم هو حال شواطئنا فعلى الرغم من سحر البحر وروعته إلا أن شواطئه تؤذي النظر وتعمي روح البصر، فالنفايات تشكل حداً فاصلاً بين الرمل والبحر، وعلى الناس أن يشمئزوا أولا من منظر النفايات ويدفعوا ثمن بؤسهم وفقرهم إلى أن يتخطوا بنظرهم حدود المنظر البشع إلى البحر الكبير حيث الزرقة والنور في مشهد يذكرنا برواية البرزخ قبل الفردوس.
السياحة الشعبية كما العشوائيات وكما الأسواق الشعبية والأزقة والحارات، فكل ما هو شعبي مهمل لدى أولي الأمر وأصحاب القرار؟ فلماذا تصر وزارة السياحة على تهميش الأماكن الشعبية وجعلها بؤرة مرض ورض نفسي؟ لماذا لا يوعز المسؤولون في وزارة السياحة لموظفيهم بالقيام بواجبهم وتنظيف الشواطئ باستمرار كي تبقى جميلة وساحرة كما شواطئ الأغنياء؟ لماذا لا توضع برامج وخطط لتنشيط السياحة الشعبية وتفعيل دورها، فهي في النهاية مجال واسع للاستثمار ومردود جيد لخزينة الدولة التي تضررت كثيراً بعد الأحداث ونتيجة للحرب.