الرئيس إيمانويل ماكرون ضيفاً أمريكياً

الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي

     أنطوان شاربنتيي

 استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، في زيارة رسمية هي الأولى له منذ توليه ولايته في 7 أيار (مايو) 2017.

طرحت خلال هذه الزيارة عدة ملفات، ومنها الملف الإيراني، وأبرز ما فيه الاتفاق النووي الذي لا يتوقف الرئيس الأمريكي عن انتقاده وانتقاد سلفه الرئيس أوباما على توقيعه. لكن تصريحات دونالد ترامب لا تقتصر فقط على الانتقاد بل هو يهدد بالانسحاب كلياً من الاتفاق النووي مع إيران، الشيء الذي يشغل بال حلفائه وخاصة الأوربيين منهم، الذين تشملهم عدوى التبعية للولايات المتحدة الأمريكية.

رغم ذلك يظهر بعض التمايز على سبيل المثال بين الرئيس الأمريكي وألمانيا على نواياه بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. لكن حقيقة المشكلة بين الدولتين هي صراعهما على من سيهيمن على الاتحاد الأوربي. فألمانيا تعتبر أقوى دولة داخل الاتحاد الأوربي سياسياً واقتصادياً، أما الولايات المتحدة الأمريكية فمعروفة بغطرستها وطموحها الاستعماري.

أما بالنسبة لفرنسا فهي على مثال ألمانيا وعدة دول أوربية لها مصالح اقتصادية مع إيران، والسوق التجارية الإيرانية تهمها بشكل خاص. فالدول الأوربية تنظر إلى إيران من منظار 80 مليون مواطن إيراني يمكن أن يستهلكوا بضائعهم، بينما هم يستفيدون من ثروات إيران النفطية والغازية.

ازدادت في الوقت عينه وتيرة التبادل التجاري بين إيران والدول الأوربية كألمانيا وفرنسا. والكل يعلم أن شركة توتال الفرنسية على سبيل المثال موجودة بشكل فعلي في إيران منذ توقيع الاتفاق النووي 5+1.

من هذا المنطلق نفهم بعض ما قاله الرئيس ماكرون خلال زيارته لأمريكا عن إعادة النظر بالاتفاق. وإرادته بالعمل على اتفاق جديد مع إيران يخدم أكثر مصالح أمريكا وفرنسا. فهو يحاول إيجاد حل وسط. لكن هذا ليس إلا دلالة على عدم استطاعة الرئيس الفرنسي التهرب من الهيمنة الأمريكية عليه وعلى بلده. وفي الوقت عينه يحاول قدر المستطاع المحافظة على مصالحه الاقتصادية مع إيران وعدم تنصله من الاتفاق النووي.

يجب التنبيه إلى أنه مهما كانت حدة الخطابات الأمريكية والفرنسية مرتفعة بوجه إيران، فالرئيس ماكرون والرئيس ترامب لا يستطيعان إعادة النظر بالاتفاق النووي أو العمل على اتفاق جديد، فمن يعتقد ذلك فهو يعطي أهمية مبالغاً بها للرئيسين المذكورين.

لأن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ليسا الدولتين الوحيدتين اللتين وقعتا على الاتفاق النووي مع إيران. فرنسا هي جزء من الاتحاد الأوربي الذي رفض كلياً فكرة ماكرون.

هناك أيضا روسيا والصين اللتين تتحالفان على عدة محاور وجبهة ضد السياسات الأمريكية في العالم.

إن إعادة النظر بالاتفاق المذكور أو طرح أية فكرة للعمل على اتفاق جديد بخصوص إيران سيسبب مشاكل كبيرة بين الغربيين أنفسهم. إن الدول الموقعة على الاتفاق النووي أكانت الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا، روسيا الصين او إيران، قد قيدوا بعضهم البعض ولا يستطيعون الخروج بسهولة دون تداعيات سلبية عليهم.

أما بالنسبة لإيران فهي ما زالت تظهر حسن نية بالتعامل مع الغرب وإرادتها بالانفتاح على مجتمعاته، ولو أنه في الواقع الاتفاق النووي لن يثمر النتائج المرتقبة على الشعب الإيراني.

لكن إيران تعي تماماً هدف أمريكا بالانسحاب من الاتفاق النووي الموقع في 2015 وهو محاولة عزلها ثم ضربها عسكرياً. وفي هذا تكمن تبعية أمريكا لإسرائيل. إن هذه الأخيرة ومعها بعض دول الخليج تحاول منذ زمن طويل ضرب إيران عسكرياً ومحاولة تقليص دورها في منطقة الشرق الأوسط، وهذا بهدف إنهاء مقاومة حزب الله وباقي فصائل المقاومة ضدها، المدعومة من إيران، إنهاء القضية الفلسطينية، وفرض هيمنتها على شعوب المنطقة.

تحاول إسرائيل الحصول من الرئيس ترامب ما لم تستطع الحصول عليه في عهد الرئيس أوباما.

لكن إسرائيل ومعها أمريكا وبعض دول الخليج لا يعون تماماً أن محور المقاومة هو أقوى من أي وقت مضى، وأن طموحاتهم لا تتأقلم مع الواقع الحاضر.

هل فقد الرئيس ترامب عقله وهو العارف بالتداعيات السلبية لإعادة النظر بالاتفاق النووي أو الانسحاب منه؟ إلا إذا اتخذ القرار بتدمير منطقة الشرق الأوسط برمتها وإدخال العالم بشكل رسمي وفعلي في حرب عالمية ثالثة لا أحد يعرف نهايتها. لكن إن وقعت هذه الحرب فهي ستشمل حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ومن هذا المنطلق سيدمَّرون.

هل المنظومة السياسية والاقتصادية الأمريكية قد تضحي بإسرائيل بهذا الشكل؟ هي العارفة ان محور المقاومة هو اليوم أقوى من إسرائيل على عدة أصعد، منها العسكرية والأمنية.

في آخر المطاف قد لا يكون كلام ترامب إلا حرباً نفسية على إيران وحلفائها، وفي الوقت عينه ابتزاز كبير لدول الخليج ومنهم العربية السعودية. إن ترامب قال أثناء حملته الانتخابية انه سيأخذ أموال دول الخليج والعربية السعودية وها هو يفعلها. عماء بصيرة هؤلاء، سياستهم الكيدية، غباؤهم السياسي يجعلهم يقعون في الفخ.

قد رأينا كيف كان الرئيس ترامب يطلق التهديد والوعيد تجاه كوريا الشمالية، حتى التبشير بحرب نووية مقبلة وها هو بسحر ساحر يصبح رئيس كوريا الشمالية بنظره رجلاً نزيهاً.

فمن يصدق ان الرئيس الكوري أراد العزوف عن التجارب النووية فقط لإرضاء الأمريكيين. فهذا يسجل في جدول أكاذيب هذا العصر. لكن بهذا الشيء منح الرئيس الكوري نظيره الأمريكي الفرصة لإنقاذ ماء الوجه.

الاشياء تختلف بالنسبة لإيران ومحور المقاومة الذي تنتمي إليه، الرابح للمعارك الأمريكية الصهيونية القائمة في الشرق الأوسط منذ حوادث 11 أيلول 2011 كاسرة بهذا إرادة أمريكا بهيمنتها الأحادية على العالم. من هذا المنطلق يصعب على الرئيس ترامب حصوله على تنازلات مماثلة من إيران التي بذلت جهوداً كثيرة، ولا نعتقد ان لها الإرادة لتنقذ بشكل او باخر شرعية ترامب المهزوزة دولياً.

الحرب الإعلامية والنفسية الأمريكية والصهيونية ستظل قائمة على إيران، لكن دون أي ردة فعل عملية مباشرة على الأرض، سيقتصر الأمر على محاولة تصفية الحسابات معها على عدة جبهات كسورية، لبنان فلسطين والعراق وبعض الشيء اليمن، ولو أن إيران لا تشارك مباشرة في هذه الحرب.

مستقبل الاتفاق النووي الإيراني 5+1 سيظل قائماً إلى حين أن تلين مواقف ترامب، أو احتمال ظهور عوامل جديدة قد تجبره على القبول بالأمر الواقع. وإلا فإن انسحابه من الاتفاق قد يؤدي إلى التداعيات السلبية المذكورة، وزيادة عزل الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد الدولي وعدم استفادتها من الأسواق التجارية التي ستفتح في المستقبل، مع تفاقم مشاكلها مع حلفائها وانخراطها في حرب لصالح إسرائيل قد تؤدي إلى نهاية البــــــــلدين وخروجهما التام من المعادلة العالمية المقبلة.

العدد 1140 - 22/01/2025