احذروا ثورة الجياع!

الأموات لا يبكون، والقلوب المغلفة بالأحزان والآلام تخلت عن جوهر حزنها وحساسيتها، فلم تعد تكترث بشيء، والروح المثقلة بخيبات الحرب والجوع والفقر والألم تأقلمت مع واقعها، فلم يعد بالإمكان إيذاؤها والنيل من شفافيتها..لا يبكي الميت بعد وداعه لروحه، ولا يصرخ القبر حتى لو كان في داخله رفات الأنبياء والشهداء..الفقراء في سورية، وقد خبروا  براكين الحرب وزلازلها وتبعاتها، من فقر وموت ودماء ودمار، اعتادوا الواقع المدمي الواقع المتشظي بأحلام ملوك الحروب ملوك الشر وراء البحار، ملوك الدول المعادية لشعب مسالم..وحدهم الفقراء ومن بعدهم أبناؤهم المدافعون عن الوطن هم من أكملوا ويكملون ملحمة الخمس سنوات ونيف  بكامل ثوانيها، بصنوف الألم والجوع والموت والفقر، ذلك أن الموت والفقر في سورية هما قباب ومساجد ومآذن هذا الوطن المفجوع بزهور شبابه..جوع في كل مكان، وهنا الجوع حصري بطائفة الصابرين الخاشعين، والجوع من خصائص الزاهدين والأنبياء وصفاتهم.. لا يقترب الجوع من اللصوص والسارقين، فلكل صفاته وخصاله في هده الحياة.. الأغنياء لا يعرفون لحظات الجوع، وكبار اللصوص والفاسدين كسروا بأرباحهم الخيالية حاجز الفقر وضمنوا عيشهم الرغيد ومعهم أبناؤهم لأجيال قادمة.

لا وجود للطبقة الوسطى في حرب كهذه أفرزت مع جحيمها ونارها المستعرة طبقتين لا ثالث لهما، فإما مدقعو الفقر وإما فاحشو الثراء.. وحيث الوجوم والخيبة على وجوه البسطاء بادية، وحيث الفقر يتجسد بين العيون كما يتجسد الموت بين المقابر، يتبادر إلى الأذهان سؤال: كيف يعيش المواطن السوري على راتب وهو يحتاج إلى أربعة أو خمسة أضعافه كي يؤمن حاجاته الأساسية وليست الكمالية؟ وكيف يبرر المسؤولون ارتفاع الأسعار الجنونية للمواد الغذائية والإحصائيات العالمية تدحض مزاعمهم؟ فعالمياً سعر الأرز والسكر والقهوة والشاي هو أقل بكثير من السعر هنا في سورية،كيف يواجهون هده الإحصائيات وخاصة أن المواطن السوري بات يعرف بلغة الأرقام،

ومن يتابع المواقع العالمية التابعة لمنظمة الغداء العالمي، ومن يفهم بلغة السوق سيدرك مدى الاستغلال والسرقة هنا في سورية حيث الحرب أتت على النفوس قبل الأجساد، وحيث شركاء الحرب من بعض كبار التجار بالدرجة الأولى، ومن بعدهم مَن بيده مفاتيح الاستيراد والتسويق بالدرجة الثانية، ومن بعدهم مَن يهلّل ويصفق لأداء الحكومة، فهي تستجر أساسيات الحياة من مواد غذائية رغم ظروف الحرب.. وهل نحن أول بلد يقبع تحت  هده الظروف؟ أم أن الحكومة وشركاؤها من التجار والمستفيدين الدين يدّعون الحرص  على تأمين المواد الغذائية الأساسية للمواطن السوري، لحمايته من الجوع في ظل الحصار، هم في حقيقة الأمر لا يهمهم إلا المحافظة على أرباحهم الخيالية الضخمة  التي تظهر للعيان بمقارنة بسيطة بين أسعار الغداء عالمياً والأسعار المحلية الخرافية.

وكمثال بسيط  سعر مادة السكر عالمياً هو أقل بكثير مما هو عليه في الأسواق، وكذلك الأرز والقهوة والشاي ، فيا أيها التجار ومن لف لفيفهم، يامَن تصمّون آذانكم عن سماع الأنفاس الأخيرة لمواطن يلفظ روحه بسبب ممارساتكم، أما آن لكم أن ترأفوا بحال من أضناهم الموت والفقر والجوع!؟ أما شبعت خزائنكم؟! أم أنكم في كل يوم تستفيقون فيه تقولون: هل من مزيد؟

حاذروا ثورة الجياع.. فبينكم وبينها لم يبقَ إلا هنيهات…

العدد 1140 - 22/01/2025