كي لا ننسى… أيوب شمعون.. حياة كُرّست للنضال

أيوب شمعون (أبو شرارة)، هذا المناضل الشيوعي المقدام ابن محافظة الجزيرة، ذات التقاليد الفلاحية الكفاحية ضد الإقطاع والديكتاتوريات، ومن أجل حق المواطنة لجميع شرائح الشعب من العرب والأكراد وغيرهم.. إنه ابن جيل من المناضلين، عاش مرحلة الاستعمار الفرنسي وشاهد بأمّ عينه الفظائع التي كان يرتكبها المستعمرون ضد الوطنيين، وعرف عسف الإقطاعيين الذين لم يكونوا يُبقون للفلاح إلا ما يكاد لا يسدّ رمقه، وتعلّم وتصلّب في مدرسة الوطنية والكفاح الذي لا هوادة فيه ضد الظلم والقهر والتمييز الذي كانت تفرضه سلطات الاحتلال ورؤوس الإقطاعيين على أهالي هذه المحافظة الذين عانوا الكثير.

ولد في عشرينيات القرن الماضي، وتشبّع وهو بعدُ صغير بقيم الوطنية العدالة والصدق والاستقامة.. تعرّف على أفكار الشيوعية وهو شاب ، وقد بقي مخلصاً لقضية الشعب، وأفكاره التي آمن بها طوال حياته الغنية التي لا يمكن اختصارها ببضع كلمات. لم يكن ارتباطه بالحزب الشيوعي ارتباطاً عاطفياً فقط، وإنما كان مقتنعاً اقتناعاً عميقاً بأن البشرية في نضالها الذي لا يهمد من أجل العدالة، سيكون أمامها الكثير من الانكسارات والهزائم، ولكنها ستتقدم في هذا الاتجاه بخطا ثابتة وواثقة.

اشترك أبو شرارة في جميع معارك الحزب ضد الإقطاع، وتقاسم مع الفلاحين لقمة الخبز، وخاض مع الحزب أيضاً جميع المعارك الوطنية دون كلل ودون أن يفكر بمصالحه الخاصة. كانت عائلته الصغيرة محطّ عطفه وحنوّه الشديدين، وكان يتألم لأنه لم يستطع أن يؤمّن لِبناته ما كان يطمح إليه، بيد أن القضية الوطنية والاجتماعية التي آمن بها كانت بالنسبة له وظلّت فوق المصالح الشخصية.

في أوائل عام 1959 يُعتقل أبو شرارة مع الكثيرين غيره من مناضلي الجزيرة، ويزجّ به في سجن المزة.. ولقد تحمّل طوال ثلاث سنوات مرارة السجن والحرمان.

ما كان يزعجه أكثر من أي شيء آخر هو وضع بناته، وعلى الأخص شرارة.. لم يترك لهن إلا القليل، ولقد فقدن بغيابه رعاية الأب الحنون. في سجن المزة، وكنا أربعة في إحدى زنزانات سجن المزة: أيوب شمعون، ويونس فلاحة، وماهر الجاجة، وأنا. لقد تحدث إلينا هذا المناضل الكهل عن عائلته، وعن معاناتها في غيابه.. كانت قصّته محزنة لدرجة انبثاق دموعنا نحن الذين يشاركونه الزنزانة، ومع كل عاطفته الجمة، وحنوه العائلي، إلا أن صلابته التي لا تُقهَر لم تتزعزع.

يخرج أيوب شمعون من السجن، ويبقى ارتباطه مع الحزب مستمراً، وتبقى قناعاته بعدالة القضية التي ارتبط بها عضوياً ومصيرياً راسخة حتى النهاية، حتى أواخر عمره الزاخر بكل ما هو نبيل وإنساني.

إن هذا الوطني والمناضل من أجل مستقبل أفضل للشعب يستحق كل الاحترام الذي يجب أن يبقى، ويجب أن لا يشمله النسيان.

العدد 1140 - 22/01/2025