حكومتنا لا تسكن بيننا!

في التفاتة جميلة من حكومتنا الكريمة، وبعد الإطّلاع على أحوال المواطنين، وبعد الشكاوي العديدة حول الأسعار، وحرصاً على تلبية متطلباتهم كافّة ، قررت هذه الحكومة زيادة الأسعار، فرفعت سعر الغاز والبنزين والمازوت، وطبعاً كل هذا (جاء تلبية لرغبات المواطنين وتطلّعاتهم)، ولكنّ هذه الزيادة لم تحقّق المطلوب، فحين قرأ المواطن قرار الزّيادة ابتهج وفرح ظنّاً منه أنّ الزّيادة ستشمل باقي المواد، وضجّت صفحات التّواصل الاجتماعي بالتّهاني والمباركات بين المواطنين، ولكنّ للأسف فقد فوجئ الجميع باقتصار الزّيادة على الغاز والمازوت والبنزين، وشعروا بعدم الرّضا عن هذا القرار، وأخذ المواطن يتساءل في نفسه: ألا يوجد زيادة في سعر الخبر، واللّحوم، والخضر والفواكه؟ أليس رفع سعر هذه المواد أيضاً من رغباتنا؟ فلم لا تلبّيها الحكومة؟.

وهكذا فقد قوبل قرار الزّيادة بالاستنكار، فقد بات المواطن السّوري يعيش في بحبوحة، جعلته يهدر أكثر ماله على أشياء دون قيمة وأصبح لا يعرف أين يذهب بكل ما معه من مال، فالرّواتب أصبحت تفيض عن حاجته، بسبب الانخفاض الكبير في الأسعار، وتأمين كل المواد اللّازمة له، وأصبح يعيش فوق خط الفقر بكثير بكثير، أو بالأصحّ أنّه بات يعيش على خطّ الغنى بكلّ راحة، وأصبح يمشي في الطّريق يبحث عن فقير أو متسول أو محتاج كي يعطيه النّقود فلا يجد، فالجميع يشكون من انخفاض الأسعار، والجميع أصبحوا في رغد من العيش مكّنهم من ادّخار أموالهم، وشراء بيوت وسيارات، ومحالّ أيضاً، حتى بات من المحتمل، بل من الأكيد أن يخرج جمع غفير من المواطنين، يحملون لافتات وأوراق كتب عليها (الشعب يريد رفع الأسعار) أو (الشعب يريد تخفيض الرّواتب).

وبناءً على هذه الأحداث ارتأى بعض المهتمّين والمثقّفين، الذين يناضلون في سبيل الوطن والمواطن، ارتأوا الذّهاب إلى الحكومة لشرح الأحوال لها، علّها ترأف بالمواطن وتحقّق مطالبه في رفع الأسعار، وهكذا بدأت الرّحلة، فقد بحث هؤلاء المهتمون في كل شوارع وحارات دمشق، ولكنّهم لم يجدوا شيئاً، ثمّ اتّجهوا إلى المحافظات الأخرى، وبحثوا أيضاً في الشّوارع والحارات والمدن والأرياف والمناطق وكلّ مكان، ولكن دون جدوى، وباتوا في حيرة من أمرهم، وتساءلوا أين هي حكومتنا؟، ولكنّ ذلك لم يثنِهم عن مهمّتهم، فكثفوا عمليات البحث، وأعادوها مراراً وتكراراً، ولكن أيضاً دون جدوى.

 

وأخيراً وبعد البحث المضني، فقد توصّل هؤلاء المثقفون إلى نتيجة مفادها أن حكومتنا لا تعيش بيننا، لا تسكن معنا في البلد ذاته ، ولا تعرف ماذا يحدث عندنا، وهي تعيش في مكان بعيد كثيراً، فلذلك لا تصل إليها شكوانا، ولا تسمع استغاثاتنا، حكومتنا باختصار…. لا تسكن بيننا.

 

العدد 1140 - 22/01/2025