المواطن السوري حُرم اللحوم الأبيض والأحمر منها…أسعار الدواجن ترتفع بشكل جنوني.. وهذه الأسباب

 ارتفاع كبير وأرقام قياسية تسجلها أسعار الفروج في الأسواق المحلية، حتى باتت أسعار الفروج قريبة جداً من أسعار اللحوم الحمراء، فبلغ سعر كيلو شرحات الدجاج نحو 3100  ليرة، ووصل سعر كيلو الفروج المذبوح  والمنظف لنحو 1700 ليرة، وهذه الأسعار تعتبر الأعلى في تاريخ أسواق الدجاج السورية، في حين حذّر مربّون كثيرون من أن صحن البيض سيلحق بالفروج قريباً وسيبلغ سعره نحو 1500 ليرة، في حال لم يُكسَر احتكار الأعلاف، فسعر صحن البيض حالياً 1000 ليرة وهو يعتبر مرهقاً للمستهلك مقارنة مع دخله، فكيف هو الحال إن أصبح بـ1500 ليرة؟!

وهناك من أشار إلى أن هذا الارتفاع سببع سياسة وزارة الاقتصاد، بمنحها معملين فقط إجازات لاستيراد كسبة الصويا والذرة، مما عزّز احتكار هذين المعملين للأعلاف وتلاعبهما بأسعارها بعيداً عن دور مؤسسة الأعلاف التي يجب أن يكون لها دور فاعل إلا أنه بات معطلاً، عدا ذلك كان لرفع أسعار المحروقات مؤخراً تأثير واضح. أصوات كثيرة رفعت تحذر من عواقب هذه القرارات على مختلف القطاعات الاقتصادية وخاصة القطاع الزراعي الذي يعتبر من أهم القطاعات لأنه يتعلق بالأمن الغذائي.

أسباب ارتفاع سعر الفروج

لمعرفة أسباب ارتفاع أسعار الفروج والآثار المتوقعة لرفع أسعار المحروقات على قطاع الزراعة أجرينا لقاء مع المستشار الفني لاتحاد غرف الزراعة عبد الرحمن قرنفلة الذي أكد أن أسباب الارتفاع الصارخ لأسعار الفروج تعود أولاً للسياسات الحكومية المتعلقة بالتمويل والتسعير، فقد أدى انحسار التمويل من القطاع الخاص، لتوفير مستلزمات تشغيل مداجن المربين، وفشل التمويل الحكومي في ذلك، أدى إلى توقف كثير من مرافق الإنتاج (مزارع جدّات – مزارع أمّات – مزارع فرّوج – مفاقس ومفرخات – مسالخ).كما أدت سياسات التسعير القسري غير العادلة لمنتجات الدجاج إلى إلحاق خسائر تراكمية بالمنتجين، ودفع أعداد متزايدة منهم إلى مغادرة حلقات الإنتاج.

العامل الثاني، بحسب قرنفلة، هو الارتفاع غير المسبوق لأسعار اللحوم الحمراء، إذ يوجد ارتباط ايجابي قوي بين زيادة أسعار اللحوم الحمراء وزيادة حجم الطلب على لحوم الدجاج، فكلما ارتفعت أسعار لحوم الأغنام والأبقار، ازداد حجم الطلب على لحوم الدجاج، ومع تراجع حجم المعروض منها نسبة إلى حجم الطلب المتزايد خلال الشهر الفضيل تقدّم لولب السعار بشكل جنوني.

السبب الثالث يعود لارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، ومنها أسعار صيصان الفروج التي بلغت 300 ليرة للصوص بعمر يوم واحد، وهو رقم مفاجئ فقد كانت الأسعار تتركز بين 25-35 ليرة تقليدياً… وهذا الارتفاع كما أشرنا سببه تراجع أعداد مداجن أمات الفروج.

أيادِ خفيّة!

ورأى قرنفلة أن ارتفاع أسعار الأعلاف تأثر بتبدّل سعر الصرف، ذلك أن كل أعلاف الدواجن مستوردة تقريباً… وجاء ارتفاع أسعار المشتقات النفطية ليزيد الطين بلّة، فالمازوت يُستخدم ليس للتدفئة فقط بل لتشغيل مولدات الكهرباء وتشغيل ماكينات الإنتاج ومراوح التهوية في مساكن الدجاج، وكذلك ماكينات تحضين وتفريخ البيض، وكثير من مرافق الإنتاج تعمل على الكهرباء، وفي ظل الانقطاع الطويل للكهرباء العامة لا بد من تشغيل المولدات واستهلاك المازوت.

وقال أيضاً: (من المتوقع أن هناك أيادي خفية تعصف بسوق لحوم الفروج تمهيداً للضغط على الحكومة، لرفع طوق الحماية عن استيراد منتجات الدجاج الذي يصبّ في المحصلة النهائية في جيوب بعض المنتفعين ويدمر واحدةً من أهم ركائز الأمن الغذائي السوري، فضلاً عن غياب رؤيا إستراتيجية تجاه تنمية قطاع الإنتاج الحيواني بشكل عام، مما يساهم في حدوث اختلالات متتالية في مكونات الإنتاج تنعكس على اضطراب توفر المنتجات بالسواق ورفع أسعارها، ويمكن القول بأن هذه هي باختصار مسببات رفع أسعار لحوم الدجاج بشكل غير متوقع علماً أنه من المرجح انخفاض أسعار لحوم الدجاج بعد العيد وبشكل تدريجي).

آثار رفع أسعار المشتقات النفطية

وعن رفع أسعار المحروقات، لفت قرنفلة إلى أن الارتفاع الصارخ في أسعار المشتقات النفطية يعزز تقلص إنتاج الغذاء ويرفع الحاجة إلى الاستيراد، كما أن ارتفاع أسعار المازوت والغاز سيزيد على المدى القصير والمتوسط من تكاليف إنتاج الخضار والفواكه والحليب ومشتقاته والبيض واللحوم الحمراء والبيضاء التي تشكل مكونات سلة غذاء المواطن، ومن المرجح أن تضطرب الأسعار وتبقى أعلى من مستوياتها ما قبل الأزمة، وذلك خلال الفترة التي تغطيها التوقعات والتي تصل إلى عام 2020 وتلقي بظلالها على قدرة المواطنين على تلبية احتياجات أسرهم من الغذاء رغم الزيادة الأخيرة الطارئة على دخول الموظفين الحكوميين منهم.

وأكد قرنفلة أن سورية كانت من البلدان القليلة التي سبق أن حققت تقدماً بارزاً في توفير الغذاء والأمن الغذائي لمواطنيها وتحقيق فوائض تصديرية والحد من الفقر، إلا أن الأزمة والحرب المندلعة في البلاد منذ خمس سنوات ونيف ولدت توقعات بمزيد من تقلص إنتاج الغذاء لديها، من خلال تراجع أسباب التنمية الزراعية وتراجع إنتاج بعض المحاصيل الغذائية، وكذلك المنتجات الزراعية ذات القيمة العالية كاللحوم والبيض والحليب والأقماح والقطن وثمار البساتين والفاكهة. فازدادت الحاجة إلى الاستيراد واختفت الفوائض بين ليلة وضحاها.

وأضاف: (متى أضفنا إلى المعادلة سلسلة من المشاكل التي تتراوح بين منع مربي الحيوان من الوصول إلى المراعي الطبيعية، وإعاقة وصول الأسمدة والبذار المحسن ومواد وقاية النبات ومعالجة الحيوانات إلى مراكز الإنتاج، وصولاً إلى إلحاق الضرر الكبير بالتراث الوطني للموارد الوراثية النباتية والحيوانية، تكون النتيجة كارثة ذات أبعاد كبيرة).

وقال أيضاً: من المرجح أن يحدث تراجع ملموس في إنتاج السلع الزراعية بفعل المآزق المتولدة عن خمس سنوات من عمر الأزمة والصدمات الاقتصادية التي تعرض لها قطاع الزراعة خلالها، والارتفاع الأخير الصارخ في أسعار المشتقات النفطية، والذي يمثّل تحدّياً للمزارعين في احتواء التهديد بإمكانية صمودهم واستمرارهم في إمداد السوق المحلية بالمواد الغذائية، وهو ناجم عن رفع سعر المازوت.

كما أوضح أن القطر واجه خلال سنوات الأزمة تحدياً في مجال إنتاج الغذاء. ومن شأن الارتفاع الحاد والمفاجئ في أسعار المازوت أن يزيد الطين بلة إضافة إلى الحصار الاقتصادي الذي يتعرض له القطر، مما سيؤدي إلى تراجع الإنتاج في المزارع بموازاة تفاقم التضخم التي باتت قدرات الحكومة على التحكّم به عرضة لحالة عدم اليقين، مما يتطلب وضع نهج متكامل للزراعة وتبنّي سياسات تساند منتجي الغذاء لمعالجة حاجتين من الاحتياجات الأساسية، وهما الحالات الغذائية الأساسية وضمان إمدادات كافية من السلع الزراعية لتقليص الفجوة بين المطلوب والمتاح عبر تمكين الفلاحين من زراعة مزيد من الأراضي التي ستستخدم لإطعام البشر.

ومن جانب آخر قال المستشار في اتحاد غرف الزراعة: جاء قرار رفع أسعار المشتقات النفطية في وقت تشير التوقعات إلى أن النمو الزراعي يصعب تحقيقه على نحو مستدام في ظل التدهور الذي تعرضت له مفاصل القطاع، والتخريب الذي تعرضت له وحداته الإنتاجية نتيجة الأزمة التي أضعفت القوى الرابطة بين مكونات المجتمع الريفي المنتج، وساهمت في هجرة كثير من المنتجين أراضيهم الزراعية وبيع عدد كبير من منتجي الثروة الحيوانية الأصول الإنتاجية التي يملكونها تحت وطأة حالات العنف التي اجتاحت مناطقهم، أو تحت ضربات الخسائر التي تعرضوا لها نتيجة صعوبة الحصول على مدخلات الإنتاج أو تعذّر الوصول إلى الأسواق.

وفي إطار توقعاته لحدوث تحسن في الإنتاج مع زيادة رواتب العاملين بالدولة أكد قرنفلة أنه من المتوقع لإنتاج اللحوم والحليب والبيض أن لا يستجيب للتحسن في زيادة دخل شريحة من المجتمع غالباً ما يصنفها الاقتصاديون بأنها الشريحة الأضعف مالياً وذلك مع ارتفاع أسعار العلف المستمد من الحبوب، وسط حالة عدم يقين من إمكانية استعادة الربحية في قطاع مازال يعمل وسط بيئة من تكاليف مرتفعة للأعلاف على نحو خاص ومتقلبة طيلة معظم السنوات الماضية.

ومن شأن الطلب المتراجع على المنتجات الحيوانية أن يدهور الأسعار من مستوياتها المرتفعة، مما يفاقم من خسائر المنتجين ويفضي إلى مزيد من تراجع الاستثمارات في هذا القطاع. وذلك يشكل مدعاة للقلق، لأنه يعني بالنهاية أن عدم حصول المواطن على المقررات الغذائية النظامية أصبح قائماً.

وفي ختام تصريحه قال قرنفلة: ينبغي للحكومة أن تركّز على تصميم سياسات من شأنها أن تقود إلى خفض تكاليف الإنتاج وتقديم دعم على مستوى السياسات لتعزيز زيادة الإنتاجية، وتطوير الابتكار، وتحسين إدارة المخاطر، وضمان إرساء نظم زراعية قوية تعود بالنفع على المستهلكين والمزارعين سواء بسواء. وإعادة توجيه الدعم نحو مستلزمات الإنتاج الزراعي أو المنتج النهائي ونحو الاستثمارات الإنتاجية وتعزيز البنية التحتية.

العدد 1140 - 22/01/2025