المشروعات الصغيرة والمتوسطة.. الفكرة جيدة ولكنها غير كافية
أُحدثت هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بموجب القانون رقم 2 لعام 2016 لتحلّ محل الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات، وجاء من ضمن أهدافها: (المساهمة في زيادة حجم الصادرات الوطنية وتنويعها وتخفيض أعبائها وتعزيز المركز التنافسي لمنتجاتها أمام السلع الأجنبية المماثلة وتمكينها من ولوج الأسواق الخارجية).
فهل هذه الهيئة ضمن الصلاحيات المنوحة لها والإمكانات المتاحة أمامها قادرة على تحقيق هذا الهدف، في ظل شراسة المنافسة الدولية في مجال الإنتاج وضخامة حجم الاستثمار في الأسواق الدولية، واعتماد هذه الاستثمارات على أحدث أساليب الإدارة وفنون التسويق والتطوير الدائم للمنتج المستند إلى البحث العلمي والتكنولوجي، والاعتماد على إمكانات التمويل الضخمة المتاحة أمامها من المؤسسات المالية الدولية؟
هل كانت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية صائبة في اعتماد هذا الأسلوب من الإنتاج المكروي استراتيجيةً لتحقيق أهداف كبرى على صعيد التنمية الاقتصادية، أم أنه كان يمكن اللجوء إلى استراتيجيات أفضل من ذلك؟ أم أن تضخيم فكرة المشروعات المتوسطة والصغيرة إعلامياً جاء للتغطية على العجز عن وضع رؤيا شاملة للتنمية الاقتصادية قادرة فعلاً على تحقيق أهداف هذه التنمية؟
يتضح ببساطة لكل عارف بعلم الاقتصاد أن استراتيجية المشروعات المتوسطة والصغيرة وحجم الترويج والصدى الإعلامي لها لا يتناسب البته ونوعية وحجم الأهداف الموضوعة، وأنها ليست أكثر من أسلوب للتشغيل وتنمية المنتجات الاستهلاكية المحلية بما يعزز قدرة الاقتصاد على الاكتفاء الذاتي.
أما الأهداف المتعلقة بدعم التصدير وتخفيض الكلفة بما يعزز المركز التنافسي للمنتجات السورية في الأسواق المحلية والأجنبية، فيحتاج إلى استراتيجية مختلفة تماماً تعتمد فكرة الاستفادة من اقتصاد الكم (المشاريع الكبيرة) ضمن خطة وطنية شاملة وعمل جاد على الأرض يعطي روحاً جديدة للعلاقة بين الدولة والقطاع الخاص القادر على تولي هذا الدور وتحقيق تلك الأهداف، وهذه العلاقة متجلية في فكرة اقتصاد التحكم المرن التي سبق أن طرحناها، والتي حددت دور القطاع الخاص تحت عنوان الإنتاج القيم (إنتاج ذو قيمة مضافة عالية وقوة تصديرية) يستفيد من مزايا المشاريع الكبرى (اقتصاد الكم) لتعزيز مركزه التنافسي بشكل جادّ، ويحكم هذه العلاقة التحفيز والترغيب والتسهيل والتعاون والرعاية من قبل فريق اقتصادي كفء تجاه قطاع خاص وطني ملتزم وجاد ومقتدر.
وتتجلى الفجوة بين فكرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والأهداف الموضوعة في النقاط التالية:
– إشكالية التمويل والضمانات المصرفية، إذ يعجز معظم أصحاب هذه المشاريع عن الحصول على موافقة الجهات الممولة في ظل عجزهم عن تقديم ضمانات مالية لو توافرت لهم بالأساس لما كانوا بحاجة لمثل هذا التمويل.
– مشكلة الجدية لدى أصحاب هذه المشاريع، فقد أثبتت التجارب السابقة المتعلقة بهيئة مكافحة البطالة أن معظم طلبات التمويل كان هدفها الحصول على قروض استهلاكية تحت اسم مشروع صغير.
– مشكلة الجدوى الاقتصادية، إذ تفشل معظم هذه المشاريع بعد فترة وجيزة من انطلاقها بسبب عدم قيام دراسات الجدوى الاقتصادية على أسس علمية وواقعية، وتوقع أصحابها في مشاكل مالية كبيرة.
– النمطية في الإنتاج ومحدودية التسويق، فمعظم هذه المشاريع تعتمد على منتجات استهلاكية لا تتمتع بقوة تصديرية وتنافسيتها ضعيفة من حيث ارتفاع كلف الإنتاج و تدني معايير الجودة.
– ضعف الإمكانات الإدارية والمالية والتسويقية الحديثة وانعدامها أحياناً نظراً لأن هذه المشاريع قائمة في معظمها على الإدارة الفردية والارتجالية أو العائلية في أحسن الأحوال.
وبالمقابل فإن فكرة الإنتاج القيم للقطاع الخاص كوسيلة لتحقيق تلك الأهداف تعتبر أفضل من حيث تمتعها بمزايا اقتصاد الكم (المشاريع الكبيرة) للأسباب التالية:
– القدرة على الإنتاج بكميات كبيرة وبالتالي تخفيض الكلفة مما يعزز قدرتها التنافسية في الأسواق المحلية والدولية.
– للمشاريع الكبرى القدرة على الاستفادة من مزايا التكنولوجيا المتطورة والبحث العلمي، وبالتالي القدرة على التحسين المستمر للجودة بما يعزز تنافسيتها أيضاً.
– لديها القدرة على اتباع الأساليب الإدارية الحديثة واستخدام أساليب التسويق والترويج لمنتجاتها محلياً ودولياً مع قدرة مالية تمكّنها من التصدير والتسويق في الخارج.
– القدرة على تشغيل اليد العاملة بكثافة وخصوصاً الفكرية منها وتوظيف خريجي الجامعات والمعاهد من مختلف الاختصاصات الإدارية والقانونية والهندسية والتقنية. وذلك بخلاف المشروعات الصغيرة التي يقتصر التشغيل فيها على اليد العاملة العضلية.
إن فكرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ليست جديدة بل هي تجربة طرحت سابقاً بمسميات أخرى كهيئة مكافحة البطالة والهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات، ومارستها منظمات دولية تهتم بالتنمية الاقتصادية وهي تجربة مطروقة في معظم الدول النامية والأحرى بنا اعتبارها تكتيكاً رافداً للتنمية الاقتصادية، ولا يصح أن نعتبرها استراتيجية تنموية في ظل وجود خيارات أخرى أكثر نجاعة تعطي للقطاع الخاص دوره الحقيقي والمؤثر بقوة من خلال المشروعات الكبرى ومبدأ الإنتاج القيم (سنخصص المقال القادم للحديث عن فوائده على المدى المتوسط والبعيد وكيفية تفعيله).