التدريب والإناء المثقوب

 في ظل الاهتمام الحكومي بموضوع الإصلاح الإداري والتنمية الإدارية الذي عاد مرة جديدة، بعد غياب أكثر من عشر سنوات، تبرز أهمية التدريب والتأهيل واحداً من أهم العوامل المساعدة على تحقيق الأهداف المرجوة من هذه العملية. لكن تفعيل الدور الهام لعملية التدريب يتطلب تقييم التجارب السابقة في هذا المجال واستخلاص الدروس المستفادة منها بجانبيها، الإيجابي والسلبي، من أجل تحقيق النتائج المرجوة في أقصر وقت وأقل كلفة وأكثر كفاءة.

من الأمور الايجابية (الظاهرية) في عملية التدريب في المرحلة السابقة: ارتفاع أعداد المتدربين، وتنوع مجالات التدريب المنفذ، لكن على أرض الواقع العملي فإن عملية التدريب كانت أشبه ما تكون بصبّ الماء في إناء مثقوب، إذ لا يتبقى بداخله إلا القليل مهما وضعت فيه، لأسباب عديدة في مقدمتها: ضعف الربط بين الحاجة والمناهج والتنفيذ، وسوء اختيار المتدربين والمدربين، وعدم توفير الشروط المناسبة للحفاظ عليهم وتطويرهم.

كان التدريب يشكل – عند توفره – فرصة وأداة لإرضاء المقربين والمدعومين من الإدارة والمؤثرين عليها، ومجالاً للخلاص مؤقتاً من غير المرغوب فيهم من العاملين. فمثلاً عندما تأتي فرصة تدريب جيدة فيها سفر أو تعويض مغرٍ، فإن المرشحين لهذا التدريب يكونون على الأغلب من المقربين، وعندما يكون التدريب محلياً وطويل المدة فإن المرشحين على الأغلب من غير المرضي عنهم، ولذلك يجري ترشيحهم للاستراحة من وجودهم أطول فترة ممكنة.. لكن هذا بالطبع لم يمنع مرور أشخاص محدودي العدد ممن يستحقون التدريب بين هؤلاء وأولئك.

المشكلة الثانية تبرز بعد العودة من التدريب ومعرفة مدى استيعاب المتدرب ما تلقاه في هذه العملية، وإمكانية تطبيقه وتعميمه على زملائه ممن لم يسعفهم الحظ في اتباع هذا التدريب، وهنا نصل إلى المشكلة الثالثة وهي كيف يمكن توفير البيئة المساعدة لتمكين هذا المتدرب من تطبيق ما تدرب عليه في عمله وتطويره؟ وهذه في الحقيقة هي الغاية من التدريب ومبرراته، لنصل إلى المشكلة الأكثر أهمية وهي ما مصير هذا المتدرب؟ وهل تجري المحافظة عليه للاستفادة مما تدرب عليه؟؟ والجواب في الغالبية العظمى من الحالات بالنفي… وبذلك تكتمل قصة الإناء المثقوب…

من كل ما تقدم ذكره تبرز مسألة أن تجاوز هذه الأمور ضرورة هامة في العمل على تحقيق أهداف الإصلاح الإداري والتنمية الإدارية، تبدأ بسد الثقب الموجود، وهو توفير الشروط المناسبة للحفاظ على الكوادر التي جرى ويجري تدريبها وتحفيزها على البقاء والتطور، وتطبيق ما جرى تدريبها عليه على أرض الواقع، وتعميمه على الآخرين، وهذا بالطبع لا يمكن فصله عن المتطلبات الأخرى، وفي مقدمتها انتقاء المتدربين وتطوير قدرات وإمكانيات المدربين ومؤسسات التدريب، ونشر ثقافة التدريب وتطوير الذات، ليس فقط لدى الجهات العامة وأصحاب المنشآت الخاصة، بل أيضاً لدى العاملين في هذه الجهات، لإقناعهم بأن التطوير المستمر في كفاءاتهم وخبراتهم هو ضمان استمرارهم في العمل وتقدمهم وتحسين أوضاعهم ودخلهم. 

العدد 1136 - 18/12/2024