بين حكومة وأخربعض ما يطلبه السوريون من الحكومة الجديدة!
لا أحد يستطيع أن ينكر أنّ المواطن يعاني من نزيف متقطّع في جميع مفاصل الحياة اليومية، ويكاد لا ينام على همّ إلاّ ويستفيق على آخر، ابتداءً من معاناته مع الوضع الأمني المتنقل والمضطرب بشكل نسبي بين مدينة ومدينة وبين منطقة وقرية.. وحتى بين شارع وشارع!.. إلى الأزمات الاقتصادية المتعاقبة والزيادات المتلاحقة في الأسعار، وصدمة المواطن بقرار حكومة الحلقي – غير المأسوف عليها – بزيادة أسعار المشتقات النفطية زيادة مرعبة، إلى حالات احتكار العديد من السلع الضرورية من قبل بعض ضعاف النفوس، في ظل الغياب شبه الكامل للجهات الرقابية والتموينية، بالرغم من كل ما كتب ويكتب عن هذا، وفي ظل ما نشهده من انفلات رقابي وتمويني وبالتالي تذبذب حالة الأسعار التي أرهقت المواطن وأدخلته في دائرة القلق اليومي!.. فضلاً عن الحالة السياسية وتكالب أعداء الشعب العربي السوري وتجّار الدم على هذا الوطن الممانع والمقاوم، في وقت باتت المقاومة والممانعة لدى حكّام النفط مذمّةً ومدعاة لشحذ السيوف التي رقصوا بها مع من قتل وشرد وهدّم ودمّر، والانقضاض على من تمثّل البقية الباقية والحصن المنيع والملاذ الآمن لكل أحرار العالم.
والمواطن، الذي صُدِم بكل ما جرى بعد أن تلقى الصفعات العديدة من حكومات متعاقبة على الحياة السياسية في سورية، يأمل أن يكون خلاصه على يد الوزارة الجديدة التي كُلِّف بتشكيلها المهندس عماد خميس (وزير الكهرباء في حكومة الحلقي، التي لم تكن بأفضل حال من سابقاتها)، في وقت لم يُخفِ الشارع السوري امتعاضه من الحكومة السابقة، وهذه حقيقة واضحة وجلية لكل من التقيناهم منذ الأشهر الأولى، وأنا هنا لا أتجنى على الحكومة التي لم تكن أبداً بمستوى الأحداث العاصفة بالوطن، ولم تكن حكومة أزمة بكل ما تقتضيه الأزمة، فشكلت صدمة لدى المواطن إذ تأرجحت قراراتها بين يوم وليلة، فتراجعت عن قرارات كانت قد اتخذتها قبل أن يجفّ حبرها وأعتقد أننا جميعاً نحتفظ بذاكرة جيدة في هذا المجال!
لست سوداوياً بالشكل الذي يراني به البعض، ولكنها الحقيقة.. حقيقة عمر مليء بالخيبات والمنغصات والسقطات التي نحصد بعض ثمارها اليوم!!. فإذا كانت الحياة مصحوبة بالأمل ومرتبطة به، وكي لا نفقد الأمل وبالتالي الحياة، فإن من واجبنا أن نمهل الحكومة الجديدة حتى ترى النور ونعرف من خلال الأسماء التي ستوكل إليها الوزارات (مع عدم تفاؤلي شخصياً)، وبالتالي حال البلاد والعباد، ومن خلال تاريخ أصحابها وإنجازاتهم، على أي شطّ سترسو مراكبنا!
من هنا كانت لنا هذه اللقاءات التي أجريناها مع الأهالي في مناطق محافظة طرطوس وريفها، فتحدثوا بكل جرأة وشفافية عن الحكومات السابقة وعمّا ينتظرونه من هذه الحكومة الجديدة، علماً أن العديد منهم قد ارتسمت على وجوههم علامات عدم الرضا لمجرد تكليف وزير سابق بتشكيل الحكومة العتيدة:
يعرُب مصطفى (ضابط مصاب) يطلب من الحكومة القادمة أن تقوم بتخفيض سعر صرف العملات الأجنبية حتى يصبح الدولار قريباً مما كان عليه قبيل اندلاع الأحداث، إضافة إلى زيادة رواتب العسكريين في الدولة بنسبة 100%، وزيادة فرص العمل وذلك بإلغاء قانون تراخيص الغاز والخبز وغيرها، وتعزيز دور الصحافة والإعلام المرئي والمسموع ومساعدته في إظهار مفاصل ونقاط الفساد المستشري.. وتأمين حمايته قانونياً بتعديل الكثير من المواد القانونية المتعلقة بالإعلام، وسحب الاعتمادات والنقل والتخزين لصالح الدولة وسحب تراخيص أخرى كثيرة، وتحييد القطاع الخاص عن المجالات التالية: الخبز الطحين الغاز والوقود والحديد المواد الغذائيه ومواد البناء والزراعة والخضار، والعمل على التوجه لتعديل الكثير من المواد القانونية بما يخدم مكافحة الفساد، كالسماح بالتصوير والتسجيل المرئي والمسموع وإمكانية تقديمه لأي جهة كانت، إضافة إلى الإسراع بإنجاز الحكومة الإلكترونية والاهتمام الفوري بالقرى النائية وخصوصاً في الساحل السوري، والاهتمام أكثر بالشهداء والجرحى والمفقودين، وأخيراً أطالب بإنشاء مادة أساسية اسمها الطريق إلى الأخلاق أسوة باليابان والدول الراقية.
السيدة مهى خليل (موظفة) لم ترِد الحديث عن الحكومات السابقة ولم تشأ التوقف عندها، بل طالبت الحكومة الجديدة بجملة مطالب جاء في مقدمتها: ضرورة القضاء بشكل نهائي على الفساد مهما كان حجمه أو من يقف خلفه ويتبناه ويحميه، إذ إن الفساد هو السبب الأساسي لتردي الأوضاع وعدم القدرة على تطبيق القانون والمحاسبة بشكل صحيح. وأضافت: القانون يجب أن يطبق بشكل صارم وعلى الجميع.. كما طالبت بأن يعاد النظر فيما يتعلق بالوضع التعليمي في سورية بمختلف مراحله، فالمناهج معقدة وسيئة ولا يستطيع قسم كبير من المدرسين أن يوصلوا إلى طلابهم الفكرة المطلوبة بالشكل اللازم حتى لو اتبعوا مئة دورة تدريبية.. وأخيراً رأت السيدة مهى بأنه من الضروري إيجاد حل جذري لحالة السكن من خلال تقديم القروض الميسّرة خصوصاً لفئة الشباب.
الأستاذ علي الراوي (صحفي) قال: الأكيد ان الجميع سوف يطلبون من الحكومة القادمة مكافحة الفساد والرشوة والمحسوبية ورفع مستوى دخل الفرد.. وغيرها من المطالب الخدمية التي هي أساس عمل الحكومة وواجبها أن تفعلها وليست مكرمة منها تجاه المواطن… لكن أنا أريد منهم أن يعوا تماماً ما قالته العرب: (لو دامت لغيرك ما آلت إليك) فليفعلوا ما يشاؤون.. لكنهم يوماً ما سيرحلون عن تلك المناصب…وسيذكرهم هذا الشعب إيجاباً أو سلباً.
سلمى شومان (محامية) قالت كلاماً مختصراً فيه الكثير: (أنا ما بدّي شي من الحكومه، إذا هيّي ما بتعرف شو بدنا.. الله يستر عليها).
أمّا ساميا عيسى (موظفة) فقالت: لا أريد منهم إلا أن يقلصوا الهوة بينهم وبين الشعب حتى يثق بهم الشعب حينئذ نطلب منهم.. نحن يئسنا من آذانهم المغلقة (يعني شايفين الوضع الاقتصادي ويعرفوه تماماً) ليست حالة الحرب هي السبب لأننا نرى الفحش من ثرائهم.. منذ أيام توفيت قريبة أحد الوزراء فكانت سياراتهم تغلق الشوارع إذ سار خلف كل مسؤول أسطول من السيارات الفارهة، فكيف سيشعرون بغلاء البنزين للشعب ونحن لم نعد قادرين على الخروج من بيوتنا بسبب توقف السيارات عن العمل بوقت باكر.. وهناك أمر في غاية الخطورة فقد صار السلاح بيد – القشقجية – وهذا أمر في غاية الخطورة، فمن الممكن أن يوقفوا أي شخص في الطريق دون أن يستطيع مقاومتهم، فهؤلاء ظاهرة حقيرة وخطيرة، فهل أصبحنا في بلد الميليشيات؟!
السيد أحمد رمضان (صيدلاني) تحدث عن الحكومات السابقة واتهمها بالتقصير ممّا أفسح المجال أمام المتربصين شراً بهذا الوطن، وأضاف بأن الفساد هو أحد أهم أسباب الأزمة التي نمر بها الآن، وعلى الحكومة الجديدة أن تحارب الفساد بشكل منهجي وعلني.. شيء آخر تحدث عنه السيد رمضان ويتعلق بالتعليم، فأكد ضرورة النهوض بالعملية التعليمية وضرورة اهتمام الدولة بأماكن السكن العشوائي ليس في طرطوس وحسب بل في كل المحافظات. واختتم بأنه يتمنى لو يضعنا وزيرا الداخلية والدفاع يومياً بصورة الوضع خلال الأحداث كي لا تفتك بنا الشائعات!
أما السيد إبراهيم محمد (تاجر سمانة) فقال: عايشت خلال مسيرة حياتي العديد من الحكومات السابقة التي علقنا عليها الآمال الكبيرة، ولكن بعد انتهاء عمل كل حكومة تبدأ الشوشرات والتُّهم لنفاجأ بحقيقة فساد هنا وقضية اختلاس هناك!. من جهتي لم أرَ في الحكومات السابقة أي تغيير في العقلية أو المنهج فكلّها متشابهة ولا أريد أن أتوسع أكثر. أما ما أتمناه من الحكومة الجديدة فهو أن تتعلم من الدروس السابقة والأخطاء كي لا تقع وتوقعنا فيما لا نتمناه!. على الحكومة الجديدة أن تضع نصب عينيها إعادة حال الأمان التي كنّا نعيشها والنظر في تأمين مستلزمات الحياة! شيء آخر أتمناه وهو ضرورة وجود مدة زمنية معينة تحاسَب الحكومة خلالها على ما أنجزته من برنامجها الوزاري!
السيد عيسى مخول (طبيب) تحدث عن الأولويات التي يجب على الحكومة القادمة الأخذ بها وفي مقدمتها ضرب الفساد بشكل عملي وواضح بحيث يلمس المواطن ذلك على أرض الواقع، وعدم وضع الرجل المناسب في غير المكان المناسب وخاصة داخل مؤسسات الدولة!. أضف إلى ذلك إعادة هيكلة القضاء وفق أسس صحيحة وعدم وجود حصانة لأحد فيما يتعلق بتطبيق القانون.. كما أتمنى إعادة النظر في العملية التعليمية وبناء منظومة فكرية لدى الطالب بشكل مترابط منذ مرحلة التعليم الأساسي وحتى الثانوي، ووجود أنظمة تضبط العمل داخل المدرسة ومكافحة الدروس الخصوصية كما تكافح المخدرات! وأتمنى أن تُنظّم المهن ضمن نقابات حقيقية!
السيد ياسين حسن (مدرّس) قال: أنا أعرف أن في سورية رجالاً أشداء وأكفاء وأعرف أن فيها أنصاف رجال وأشباه رجال، ولكن عزائي بأن يصل إلى مركز القرار الرجال الأشداء الذين لا تأخذهم في قول الحق لومة لائم. عند استلام وزير ما لوزارته فإنه سيرث وزارة من الذي سبقه وعندما تكون هذه الوزارة مفلسة أو ملعوب بها بما لا يرضي الله، فإن الوزير الذي يأتي لن يستطيع القيام بواجبه وبالتالي لن يرضي المواطن.. وشيء آخر يتعلق بالوظائف الحكومية فمن لا يملك شهادة تعليم أساسي سيأتي ويحمّل الحكومة مسؤولية عدم توظيفه، وسيحكم على عمل الحكومة من خلال ذلك.. لست متفائلاً ولا متشائماً وأسأل الله أن تكون الحكومة القادمة قادرة على إيجاد مخارج للأزمة التي تعصف بنا!
السيدة أمل العيسى (ربّة منزل) تحدثت عن عدم تفاؤلها بالحكومة الجديدة لأنهم لن يستطيعوا فعل شيء.. نحن نسكن بعيداً عن مركز المدينة بأقل من كيلو متر واحد ولكن كأننا نعيش في غزة فالخدمات شبه معدومة.. عندما كان البلد في قمة ازدهاره لم يفعلوا شيئاً، فكيف بهم الآن والبلد يمر بهذه المحنة التي آمل أن لا تطول.. أعتقد أنهم سيعلقون فشلهم وعدم قيامهم بواجباتهم وكل ما هو مطلوب منهم على الوضع الحالي التي تمر به البلاد.
أخيراً:
تأتي حكومة جديدة فيبتهج المواطن ويتفاءل بها ويقلّب صفحة جديدة من أوراق دفتره المليء بالذكريات القاسية والمرّة من حكومات مضت، علّه يستطيع أن يدوّن اسم الشهر الذي بقي فيه الراتب صامداً في وجه الحاجيات اليومية دون أن تخرقه وتحرقه منذ الأسبوع الأول ديون اللحّام (على قلتها) وصاحب محل الخضار وبائع أسطوانات الغاز والأقساط المتعددة وأشياء وأشياء!. ولكن ما إن تنقضي الأشهر الأولى على استلام بعض وزرائها لمكاتبهم الفاخرة ومفاتيح سياراتهم الفارهة حتى يضمحل هذا التفاؤل إلى أن يتلاشى بشكل نهائي، ويصبح المواطن ويمسي وهو ينتظر تشكيل حكومة جديدة قد تعيد للبلاد توازنها.. ولكن..!!!