اسـتديروا باتجاه الشعب!
لقد جثمت الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بكل ثقلها على كاهل الشعب السوري، وأصابت شرائح واسعة منه، خصوصاً الشرائح التي تعيش من عرق جبينها، ومن الصعب الآن تقدير المعاناة السورية الكبيرة بسبب ذلك، ومع ذلك فالشعب السوري الشجاع والصبور استطاع أن يكيّف نفسه مع هذه الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد.
لم تستطع قوى الشر والعدوان أن تجرّ هذا الشعب إلى الاقتتال فيما بين شرائحه، رغم كل المحاولات التي بذلت من أجل ذلك….لقد بقيت التقاليد الوطنية التي ورثها عن الأجداد صامدة، لم يحطمها لا التحريض المذهبي والطائفي، ولا الإرهاب ولا الحصار الاقتصادي.
إن كل ذلك كان يجب أن تقابله السلطات القائمة سواء الحكومة، أو مجلس الشعب أو السلطات البلدية، ببذل الجهود القصوى من أجل التخفيف من هذه المعاناة ومن آثارها المدمرة.. فهل قامت هذه السلطات بذلك؟ وهل أدت واجبها تجاه هذا الشعب الذي عانى ويعاني الكثير من أجل أن تبقى سورية صامدة وموحدة في وجه الطامعين؟
إنه تساؤل مشروع يتحدث فيه الناس دون استثناء.. إنهم يتساءلون عن المنجزات التي حققها مجلس الشعب خلال دورته السابقة، وماذا فعل من أجل تخفيف المعاناة عنهم بسبب هذه الأزمة الطاحنة، وما هي الخدمات التي قدمها؟ ألا يقتضي هذا الأمر أن يقوم هذه المجلس وأن يقوم أعضاؤه بتقديم جردة حساب أمام الشعب، كي يكون مقتنعاً بأن يذهب للتصويت؟ وهل تكفي الشعارات والكلام الإعلامي كي تتدفق الجماهير إلى صناديق الاقتراع؟
وماذا فعلت الحكومة خلال السنوات الماضية من أجل الشيء نفسه، هل عاشت مع الشعب؟ وهل عانى أعضاؤها من مآسيه؟ وهل تحسّسوا آلامه؟.. هل قدمت الحكومة نموذجاً للشعب يمكن أن يحتذى؟
لقد تراجع دخل المواطن السوري فعلياً خلال خمس سنوات بنسبة تعادل 900%.. إن خريج الجامعة الذي كان يحصل على راتب يعادل الـ20 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل أكثر من 400 دولار في الشهر، أصبح يتقاضى حالياً لا أكثر من 50 دولاراً رغم ازدياد القيمة الاسمية لراتبه.. في الوقت الذي ازدادت فيه الأسعار لبعض السلع الاستهلاكية أكثر من عشر مرات.. ماذا فعلت الأوساط المالية لوقف تدهور سعر صرف الليرة السورية تجاه العملات الصعبة؟ ولماذا لا تقدم الحكومة أيضاً جردة حساب حقيقية أمام الشعب، وتكشف دور العديد من المسؤولين الذين لا همّ لهم سوى تأمين مصالحهم الضيقة والأنانية على حساب مصالح الشعب وقوته؟
إن الشعب السوري يرى بعينيه مظاهر البذخ التي تعيش بها شريحة من السوريين الذين يشكلون منظومة الفساد في البلاد، ويرى سياراتهم الفارهة تجوب الشوارع، ويعلم كذلك أن كل غناهم آتٍ عن طريق نهب الثروة السورية.
كان يمكن أن تكون نتائج الأزمة أخفّ بكثير، لو أن الحكومة كان ميدانية، لو عايشت الشعب، وتلمست معاناته فعلياً، ولو أنها وضعت أسساً واضحة لمحاربة الفساد وعدم استغلال السلطة لأجل مصالح فئوية، واتخذت سياسات اقتصاديات تنسجم مع مواجهة الإرهاب وتلبي مصالح جماهير الشعب السوري، بيد أن هذا الأمر لم يحدث. لقد آن الأوان لاستخلاص النتائج والعبر من الأزمة وأسبابها الداخلية، والاستدارة باتجاه الشعب، وباتجاه سياسة تخدم مصالحه الجذرية، وتخفف معاناته الكبيرة التي سببتها لا الأزمة فقط، وإنما تلك الفئة التي اندمجت مصلحتها مع استمرارها، واغتنت وأثْرت من خلال نهبها وسرقاتها، ومن خلال استهتارها بآلام الشعب ومعاناته.
إن مثل هذه الاستدارة تمليها مصلحة الوطن، وتمليها ضرورة إيقاف سفك دماء الشعب، وإنهاء معاناته ومأساته.