سورية.. بين فشل الهدنة وبداية النهاية
أظهر العدوان الأمريكي على سورية وجيشها في دير الزور مرة أخرى من هو مع الحرب على سورية ومن هو ضدها.. ومن الذي يستثمر في الإرهاب الدولي من أجل المنفعة الخاصة، ومن ذاك الذي يقف بالمرصاد في وجه انتشارها، والإثباتات مؤكدة ولا يمكن دحضها..
كانت سبعة أيام كافية لكي تثبت أن الهدنة فعّالة في سورية.. وبعد عدّة خروقات لها من قبل الجماعات المسلّحة قامت الولايات المتحدة وبكامل إرادتها بقصف الجيش العربي السّوري في دير الزور، الأمر الذي سمح لداعش بالتقدم على الأرض.. ادّعى الأمريكيون بعدئذٍ بأن القصف جاء عن طريق الخطأ.. فمن هو ذاك السّاذج الذي سيصدّق ادعاءً كهذا.
من ذاك الذي يمكنه تصديق أن واحدة من أقوى القوات الجوية في العالم ومن أكفئها بالتجهيزات الحديثة تخطئ أهدافها بقصف داعش، وتقصف بدلاً منها الجيش العربي السوري بأربع مقاتلات لمدة ساعة كاملة؟ ولو أرادت فعلاً قصف داعش- على ما تدّعيه- فلماذا لم تنتظر قدوم اليوم السابع؟ أي اليوم التالي لهذا العدوان الصّارخ على الجيش العربي السوري… لقد ردّت الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية بثينة شعبان قائلة: (لو كان هذا صحيحاً من أن الأمريكيين ارتكبوا جريمتهم عن طريق الخطأ لكانوا عادوا ليقصفوا الأماكن نفسها التي استولت عليها داعش من تحت سيطرة الجيش العربي السّوري).
من الجدير ذكره أنه في الوقت الذي قامت به المقاتلات الأمريكية بقصف مواقع للجيش العربي السوري في دير الزور خدمة لداعش ،كانت إسرائيل تقصف الجنوب السوري خدمة للنصرة.. في حين أن تركيا كانت تقوم بعملية عسكرية في الشمال السوري خدمة للجيش الحر… ثلاثة أطراف يعملون للمشروع نفسه في سورية.. إن الغاية من خلق مناطق منفصلة عن سورية هي الضغط على سورية وروسيا من أجل صرفهما عن حلب.
إلّا أن الولايات المتحدة خاسرة على الأصعدة كافة.. فهي ناقضت وما زالت تناقض فحوى الاتفاق الذي وقّعته مع روسيا، وشيوع مثل هذه الاتفاقات تسبب ضرراً كبيراً لسمعتها خصوصاً تجاه حلفائها في الشرق الأوسط، وقد تكشف لعبتها المزدوجة. وقد حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها عبر ضربها للجيش العربي السوري خلط الأوراق لمصلحة الإرهاييين منهيةً بذلك الهدنة، وهي تفضل خسارة حربها بالوكالة عن طريق مرتزقتها في سورية وذلك بإطالة أمدها، من أن تخسرها عبر تنفيذها للاتفاق الموقع مع روسيا، الأمر الذي يعني بالنسبة للأمريكيين مهانة صريحة وواضحة تجاه روسيا.
إن قيام الطائرات الأمريكية بقصف مواقع الجيش العربي السوري ضمن فترة الهدنة التي رحبت بها الأطراف كافة، من الأصدقاء والأعداء، هو عمل أرادت الولايات المتحدة عبره تفريغ الهدنة من محتواها وحماية عملائها ومرتزقيها العاملين على الأرض السورية. من هنا ندرك عبر تحركات الولايات المتحدة أن الحرب في سورية لم تنته بعد، ولا مسؤولية أمريكا وحلفائها تجاه السوريين وروسيا قد تجعل الحرب السورية حرباً إقليمية وحتى دولية.
هكذا هي أمريكا، في كل مرة تريد تصحيح واقع ميداني لا يروق لها تقوم بارتكاب ضربات (عن طريق الخطأ).. سياسة (الخطأ المتعمد) اتبعتها منذ حربها على العراق في عام 2003 غير آبهة بالأبرياء الذين كانوا يسقطون من وقت إلى آخر.
إلا أن الفائدة التي قد يحصل عليها السوريون والروس من هذا (الخطأ المتعمد) هي وضع حد لما يحدث في حلب، وذلك بالحسم الميداني الذي يعني انتصارهما وحلفاءهما في هذه الحرب.. وهذا يعني صعوبات جمّة لمعسكر الأمريكيين مما يؤشر لخروجهم مهزومين من ساحة الحرب.
أخيراً، يبدو الوقت عصيباً جداً بالنسبة لمحور الولايات المتحدة في سورية، وعلى الأرجح، فإن حلب ستستعاد، والمصالحات جارية على قدمٍ وساق في كل المناطق السورية، أما إسرائيل فهي تخشى الاصطدام بخصمٍ قويٍ هو حزب الله، لذلك فهي لا تغامر بالذهاب بعيداً في الجنوب السوري
أردنا الاعتراف أم لم نرد، كان الطرف الوحيد الذي احترم الهدنة هو الجيش العربي السوري، وروسيا كانت منذ ست سنوات، الوحيدة التي طالبت بالحل السياسي للحرب السورية محترمة بذلك السيادة السورية وإرادة الشعب في سورية. من المؤكد أن لروسيا مصالح في سورية وفي الشرق الأوسط، لأن الاعتقاد بعكس ذلك هو سذاجة لا مبرر لها، ظاهرياً على الأقل لن تبنى المصالح الروسية على حساب استقلال بلدٍ ما، على سيادة أرضٍ ما، على إرادة شعبٍ ما، ضاربين عرض الحائط بكل القوانين الشرعية من أجل نقل ديمقراطية تحت سيل من القذائف كما هي حال الولايات المتحدة أو على شاكلة أولئك الذين يريدون الترويج لوجهة نظر دينية بحد السيف.
وبادعائهم أنه كان خطأً فقد حرّرت الولايات المتحدة الجيش السوري وحلفاءه من جملة واجبات مقابل نصرٍ قادمٍ في حلب، الأمر الذي سيساهم في تسارع العمليات العسكرية التي ستصب جميعها في مصلحة الحل السياسي الذي ستوقّعه الولايات المتحدة وإن على مضض، لتضعه فيما بعد قيد التنفيذ.