كي لا ننسى…فكرت رجب.. الشيوعي.. ابن القنيطرة البار

 فكرت رجب، ابن محافظة القنيطرة الذي ولد في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، ينتسب إلى صفوف الحزب الشيوعي، هو ومجموعة من أصدقائه في منتصف الخمسينيات، لم تكن مسيرته إلى الحزب الشيوعي معبدة، فقد كانت هناك تأثيرات كثيرة لعبت دورها المفصلي في ذلك، منها ما هو مجتمعي، وما هو قومي، وما هو ديني.. إلا أن نهوض حركات التحرر الوطني آنذاك، وخصوصاً بعد الانتصار على النازية، الذي أدى الاتحاد السوفييتي الدور الحاسم فيه، وانهيار المنظومة الكولونيالية بعد الحرب، وتعاطف الشعوب الواسع مع الاتحاد السوفييتي، ومنها شعبنا، الذين وجدوا فيه نصيراً لهم في كل مكان.

كل ذلك مع المهام التي كانت مطروحة على شعوب البلدان النامية ومنها شعبنا، وخصوصاً فيما يتعلق بالحفاظ على الاستقلال الوطني، وتحقيق تطور اقتصادي يعزز هذا الاستقلال، الذي عملت قوى الاستعمار القديم جاهدة على عرقلته وعدم إتاحة الفرص لها للسير في ركب التطور الحضاري، والذي لم تجد هذه البلدان سنداً لها في تحقيق هذه المهمة إلا الاتحاد السوفييتي آنذاك.

إن هذه الظروف مجتمعة مع عوامل أخرى كانت تتفاعل في قلب هذه المحافظة الوطنية الباسلة، قد أدت في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي إلى بعض الإرهاصات للفكر الاشتراكي، وكان من بين الذين أدّوا دوراً هاماً ومؤثراً في نشوء التنظيم الشيوعي فيها ابنها الشيوعي صلاح جلاحج، الذي نشط بصورة واسعة، واستطاع أن يمد تأثيره إلى مجموعة من الشباب الطامحين إلى تفسير اجتماعي حقيقي يلبي الطموحات المشروعة لشريحة واسعة من الشباب الذين كانوا يبحثون عن مستقبل أفضل.. وكان من بين هؤلاء فكرت رجب، الذي دفعته وطنيته إلى الانخراط تدريجياً في صفوف الحزب الشيوعي السوري، وكان هو وعدد من أصدقائه من بين الذين أدوا دوراً هاماً في تأسيس منظمة الحزب الشيوعي السوري في محافظة القنيطرة في بداية الخمسينيات من القرن الماضي..

منذ ذلك الوقت ارتبط مصير الشيوعي فكرت رجب بالحركة الشيوعية والحزب الشيوعي، وبقي حتى الرمق الأخير مخلصاً لأفكاره ولقضيته العدالة الاجتماعية، التي جعلها في مركز اهتمامه الأساسي.

في عام 1959 يعتقل فكرت رجب ويزج في السجن ويطلب منه البراءة من الحزب، فيرفض، مفضلاً البقاء في السجن على الحرية المقيدة. كان فكرت رجب من الشيوعيين الذين اشتغلنا معاً في عهد الملاحقات، ثم اجتمعنا معاً في سجن المزة، وقد ارتبطت معه بصداقة استمرت حتى وفاته رغم كل تقلبات الزمن.

كان ارتباطه بالحزب الشيوعي مصيرياً ورغم كل المحن التي لحقت به، ورغم كل الخلافات التي عصفت به، لم يفقد أمله بالقضية التي آمن بها وأعطاها كل جهده وطاقاته، وبقي مقتنعاً بأنه سيأتي الوقت الذي سيستطيع الحزب التغلب على جراحه وأن يتعافى، وأن يرتفع كي يصبح على مستوى المهام التاريخية التي تطرحها الحياة أمامه.

ومن أجل ذلك، ومن أجل دور للحزب أكثر التصاقاً بالشعب والوطن، بقي فكرت رجب مرتبطاً بالحركة الشيوعية السورية، مناضلاً دون كلل من أجل تحقيق هذه المهمة التي كان يرى فيها قضية حياته كاملاً.

لم تتحقق بعدُ أمنيته هذه، إلا أن التضحيات التي قدمها الحزب وقدمها مناضلوه الشجعان لا يمكن أن تذهب هدراً، لأنها دخلت في تراث كفاح الشعب السوري من أجل مستقبل أفضل، ولابد أن تكون انعكاساتها كبيرة على مسيرة الحزب اللاحقة، وعلى نهوضه وارتقائه الذي يجب أن يعمل عليه الجميع دون كلل.

العدد 1140 - 22/01/2025