أنين المرأة السورية..دموع أغصان السنديان
تنشغل شجرة السنديان في سورية بلملمة دموع أغصانها المذروفة في سنوات خمس لاتشبه الأزمنة ولا الأيام في العهود القديمة..تكتب في دفتر ذكرياتها العتيق عن أغصانها المتجسدة بالمرأة السورية التي نالت منها الحرب نيل النيران من الأجساد إثر تفجير غادر حاقد.. تلك المرأة التي يفيض قلبها عن حاجة البشرية بأجمعها فتنثر الحب على من حولها وتنشر النور فتبدد ظلمات القلوب.. ذلك الحب الذي يبيح مكنونات النفس للنفس والذي نسمعه متكلماً عندما تصمت ألسنة الحياة والحرب.. ونراه منتصبا كعمود النور عندما يحجب الشر والظلام أرضنا الحبيبة..
المرأة السورية تتأجج عاطفة منذ الأزل ويتولد في قلبها الحب على غير معرفة منها ولنقل بالفطرة مثلما يتولد العطر في أعماق الزهرة.. لن نخوض في نضالها منذ الاحتلال التركي والفرنسي، فلها هنالك مكانة كمكانة الألماس في قلب محبي الألماس. ولكن ما شهدته خلال خمسة أعوام ونيف وما تحمّلته من أنواع المصائب والمآسي لكفيل بها أن تكون في ثاني مراتب صبر الأنبياء وكل مظلومي الأرض منذ الأزل..
هي المرأة التي تضج بالحب والسكينة والوداعة تجبر على ترك منزلها وذكرياتها ولا أصعب على المرأة من ترك ذكرياتها عنوة، عندئذ ستبدأ أولى فاتحة أحزانها اللامنتهية، والمستمرة بحرق بيتها وأثاثها، فتنكفئ حينئذ تحت وقع الصدمة وتنزوي أسيرة لحزن مفاجئ يكلفها ذاتها وعشقها للحياة.. تذهب إلى بيوت غريبة عن روحها أو إلى مراكز إيواء تعيش غربة إضافية.. تنتظر المساعدات كي تطعم أفواه أولادها الجياع.. تستمر المأساة وهي تحتضن صغارها الخائفين من صوت المدافع والنيران.. يلتهم الأسى قلبها على أخ مخطوف أو قريب ذبحه أعداء الحياة.. تخاف من الليل لأنه يعني لها الظلام الذي غلّف أيامها.. تستيقظ على هموم وأعباء لا نهاية لها، تقول في نفسها: من سيموت اليوم؟؟ زوجي أم أطفالي؟ تختنق العبرات في مقلتيها وتسلم أمرها لله.. تفيض روحها قبل دموعها عند مشاهدة آثار الدمار في الوطن الحبيب.. تغتسل بدموعها التي ستبقيها نقية إلى نهاية الدهور وتتضرع من أعماقها إلى كل من في السماوات أن تنجلي الفتن وتصطلح القلوب وينكفئ الغرباء عن الأرض الطاهرة…
لقد شهدت المرأة السورية مالم تشهده امرأة في هذا الزمان، فكيف لأمٍّ في العالم كله أن تدفن أبناءها وأحباءها وأقاربها وجيرانها وتشهد جنائزهم بالورد والأرز وتقول في نهاية المطاف: كيف لا تكون الحرب مقدسة وقد مات فيها أبنائي؟… أيّ أمّ سوى الأم السورية تقول: ابني فداء للوطن وأنا وإخوته فداء لسورية..! أيّ أمّ تنتظر عودة ابنها أو أخيها المخطوف فتنذر النذور وتشعل الشموع إيماناً منها بعدالة السماء ويقيناً بعودة الغياب وتستمر في حياتها وصنع خبزها ومواصلة جيرانها وذهابها إلى وظيفتها وكتابة أشعارها وتدريس طلابها وفتح ستائر بيتها كي تدخل الشمس فتعقم جراحها التي تتعالى عليها وتصبر، لأن أغصان السنديان تبكي أحياناً لكنها تبقى كما هي صبورة صامدة في وجه الريح…
آن للقلب الذي أُثقل بالجراح أن يرتاح، وآن للمرأة السورية التي أشعلت شعلة الصبر والتي لن تنطفئ أبداً أن تهدهد قلبها المتعب وأن ترمم الفقرة المنكسرة من عمرها، وأن تحيا بسلام أولاً.. وأن يهيّأ لها من يأخذ بيدها ويفتح السبل أمامها كي تعاود المضي في رحلة عمرها الناجحة أمّاً وزوجة وأختاً ومناضلة.. فلتُعطَ الأولوية لإعادة الثقة ونشر الأمان على كل نساء سورية ثم البدء بمشاريع صغيرة وبقروض ميسرة فتنطلق بمشروعها الذي يدر عليها ما يساعدها على الاكتفاء المادي.. الأخذ بيدها ومساعدتها نفسياً تحت إشراف خبراء وأطباء نفسيين تحفل بهم مستوصفات المدينة أو القرية ولا يقلون أهمية عن الأطباء البشريين، فجروح النفس أصعب من جرح الجسد.. إعطاؤها الثقة ورفع القيود المفروضة عليها وإعادة النظر بالعادات القديمة البالية وأصحابها الذين ما يزالون يقبعون تحت عباءة الشرف والإرث المتخلف؟؟ تعديل القوانين الظالمة بحقها كقانون منعها منح الجنسية لأولادها من زوج غير سوري.. أما أهم قانون يجب أن يعاد النظر فيه فهو قانون الشرف الذي يبيح للزوج أو الأب أو الأخ أن يقتل المرأة إن شك فيها.. فيعفو عنه القانون تحت بند جريمة الشرف! وكم قتلت نسوة وظلمت أخريات تحت هذا البند الجائر! المطلوب هو معاقبة مرتكب جرم قتل المرأة واعتبارها جريمة كاملة يستحق فاعلها الإعدام…
لا ننكر أن المرأة في بلادنا نالت النصيب الأكبر من حقوقها، فهي الشاعرة في المنتديات.. والصحفية في الجرائد والمجلات.. والوزيرة.. وامرأة البرلمان.. والمدرسة والجامعية.. فلنكمل إنجاح مسيرتها كي تنال جميع حقوقها مثل بقية النساء في البلدان المتحضرة!