يوم الجلاء عن سورية…من نداء الحزب الشيوعي السوري في يوم الجلاء 1946
في هذا اليوم التاريخي الذي تحتفل فيه سورية بأسرها بالجلاء العسكري عن ديارها، وبخروج الجيوش الإنكليزية وبقايا الجيوش الفرنسية من أرض الوطن العزيز الذي لم يبقَ فيه إلا جيش واحد هو الجيش العربي السوري.
في هذا اليوم ينحني الشعب السوري احتراماً وإجلالاً لذكرى ضحاياه وشهدائه الأبرار الذين كتبوا بدمائهم الزكية صفحات النضال الوطني الطويل المجيد الذي أوصل بلادنا إلى هذا اليوم المشهود.
إن كل وطني في سورية تعود به الذاكرة اليوم إلى الماضي، فيستعرض مراحل قضيتنا الوطنية منذ أن كانت سورية ولاية تابعة للإمبراطورية العثمانية المتداعية، خاضعة لحكم رجعي استبدادي إرهابي أسود، إلى أن أصبحت اليوم دولة معترفاً باستقلالها وسيادتها، عاملة على توطيد هذا الاستقلال وممارسته في جميع ميادين حياتها الوطنية.
حينما انتهت الحرب العالمية الأولى (عام 1914-1918) تناست الدول الاستعمارية وعودها للعرب، وتكشفت حقيقة نواياها السوداء، وكانت اتفاقية سايكس بيكو بين إنكلترا وفرنسا ضربة قاصمة لأمانينا الوطنية، فسلخت كيليكيا (قبل إسكندرونة) عن سورية، وضمت إلى تركيا، وتقاسم المعسكران الاستعماريان البريطاني والفرنسي مناطق النفوذ في الأقطار العربية، فكان الاحتلال الفرنسي في سورية ولبنان، وكان الاحتلال البريطاني في العراق وفلسطين وشرق الأردن.
وفي هذا العهد، عهد الاستعمار والانتداب، برهن الشعب السوري في معركة ميسلون وفي ثورة المرحوم هنانو، وفي ثورة الشيخ صالح العالي، وفي ثورة ،1925 وفي سلسلة المظاهرات والإضرابات الدامية التي ما انقطعت طيلة عهد الاحتلال العسكري الأجنبي، في هذا العهد الأسود برهن الشعب السوري على أنه لا يتخلى عن حقه في الحرية والاستقلال، ولا يتردد عن دفع أغلى ثمن في سبيل هذا الحق المقدس.
ثم أتت الحرب العالمية الثانية، وأسفرت عن انهيار معسكر الطغيان الفاشستي الأسود تحت ضربات الشعوب الحرة الديمقراطية وفي طليعتها الاتحاد السوفييتي، وانتهت هذه الحرب على غير ما انتهت إليه الحرب العالمية الأولى.. إذ خرج العالم منها وقد برزت إلى الميدان الدولي قوى جماهير الشعوب المتعطشة إلى الحرية والتقدم، والثائرة على الاستعمار والرجعية، فاستطاع الشعب السوري باتحاده ونضاله التخلص من الحكم الاستعماري المباشر، وانتزع اعترافاً دولياً بحقه في الاستقلال والسيادة، ودخلت سورية في منظمة الأمم المتحدة دولةً سيدة مستقلة حرة من كل قيد استعماري ومن كل معاهدة واتفاقية استعمارية تحدّ من استقلالها وسيادتها.
أيها السوريون، يا أبناء سورية الأباة الكرام!
لنكن متضامنين متّحدين في هذا اليوم المشهود في تاريخ نضالنا الوطني، الذي يتوّج مراحل شاقة طويلة في نضال وطننا لأجل الاستقلال والحرية، ولنجدد العهد بالسير إلى أمام لتحقيق جميع الآمال والأماني القومية التي زخرت بها قلوب شهدائنا في الاستقلال التام والتحرر الكامل والديمقراطية الصحيحة والحرية الشاملة.
ليكن هذا اليوم يوم إعلان إرادة الشعب السوري في الاتحاد والنضال لأجل رفع التطويق الاقتصادي الاستعماري الذي يخنق تجارتنا وصناعتنا، ويسبب استمرار الغلاء وانتشار البطالة في بلادنا.
إلى الاتحاد في سبيل توطيد الديمقراطية وتعزيز الدستور وإحقاق حقوق المواطنين وحرياتهم وتحقيق الإصلاحات التي يطلبها العمال والفلاحون وصغار التجار وجميع الكادحين وكل الشعب الذي يريد التخلص من البؤس والجهل والتأخر وأخطار البطالة للسير في طريق التقدم والثقافة.
ليكن زوال الاحتلال العسكري فاتحة عهد جديد في حياة بلادنا، عهد الديمقراطية والحرية، عهد السير في طريق الازدهار والرقي.
عاش التضامن بين الشعوب العربية في سبيل جلاء جميع الجيوش الأجنبية عن جميع الأقطار العربية.
عاشت سورية جمهورية حرة ديمقراطية سعيدة.
دمشق 17 نيسان 1946
الحزب الشيوعي السوري