الجيب الفارغ ما أثقله!!..شجون الطالب السوري
ثقيل هو الجيب الممتلئ ولكن أثقل منه الجيب الفارغ.. وأثقل من الجيب الفارغ الحسرة المترعة بآلام مشاهدة الأغنياء يعيشون حياتهم دونما عراقيل، أما أثقل ما يثقل القلب ويرهق النفس فهو المعاناة الصامتة التي تترجمها عيون الأهالي الفقراء أمام متطلبات أبنائهم الذين قدّر لهم العيش في ظلال أزمة اقتصادية وإنسانية وفكرية أرخت بسدولها على كل مفاصل الحياة سلباً كما يرخي البلاء في لحظة قدر غافلة فيلتهم كل حلم ويسرق كل فرح ويقضي على كل أمل ويحيله إلى ألم ووجع وخيبة..
أتى ذلك البلاء متجسداً بالحرب الكونية على سورية.. تراجع معدل النمو الاقتصادي بسبب تخريب المنشآت الاقتصادية ليتحول إلى سالب مترافقاً مع ارتفاع معدل التضخم بشكل واضح وكبير.. وأنبأ ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية بكارثة اقتصادية فتراجعت القوة الشرائية لليرة السورية وانعكس ذلك بشكل مباشر على ذوي الدخل المحدود الذين أُرهقوا من ارتفاع الأسعار الجنوني، وتأكلهم الحسرة لعدم قدرتهم على تلبية احتياجات أسرهم، وخاصة من لديهم أولاد في المدارس أو الجامعات..
تتعمق الهوة الاقتصادية والحرمان المادي في نفوس الجميع وتزيد الفاقة في القلوب قبل الجيوب، وخاصة لدى طالب العلم الذي يحتاج يومياً إلى مصروف جيب يوصف بأنه مؤلم وصعب لدى رب المنزل في هذه الأيام الصعبة بعد غلاء كل المستلزمات الدراسية، من رسوم تسجيل جامعي وكتب وشراء محاضرات وكراسات وملخصات تساعد الطالب في تعميق فهمه للمواد، ولا ننسى احتساب أجور الطريق التي أصبحت أضعاف ما كانت عليه في السنوات الماضية.. يقول علي (وهو طالب جامعي بقسم اللغة الإنكليزية في جامعة تشرين_ اللاذقية): يكلفني إيجار الطريق شهرياً 6000 ليرة سورية مابين ذهاب إلى الجامعة والعودة منها، ثم يأتي شراء المحاضرات التي تكلف 3000 ليرة سورية، وقد أضطر لشراء الروايات والقواميس والكتب الإضافية التي تغني دراستي، فأنا شهرياً بحاجة إلى15000 ليرة سورية تقريباً.
أما عن الكليات العلمية فحدّث ولا حرج، فقد تصل تكلفة دراسة طالب هندسة مثلاً إلى أكثر من عشرين ألف ليرة في الشهر، وذلك نتيجة اضطراره لشراء المجسمات وأدوات الهندسة و المراسم وأوراق الرسم والتخطيط والدفاتر التي يحتاجها بمعدل دفتر كل ثلاثة أيام، كما قالت راما وهي طالبة هندسة أرهقت أهلها بمصروفها وحدها.. وتتساءل: كيف يقدر الأهل أن يغطوا مصاريف دراسة أبنائهم الجامعية إن كان لديهم أكثر من ولد يدرس في الجامعات؟؟ ولا يختلف حال طالب الهندسة عن طالب الطب فهو ليكمل دراسته النظرية لابد من شراء العينات والأمثلة التي تعزز معرفته العملية، ولابد أيضاً من شراء كل ما يتعلق بمجال دراسة الطب كالسماعات والإبر والمباضع والمواد الدوائية الطبية التي تساعد في إتمام الدراسة وتعمقها، كما قال ماهر (وهو طالب طب بشري في سنته الرابعة).
ينسى طلاب الجامعات في هذه الأيام السوداء كل ما يتعلق بالرفاهية التي حظي بها أقرانهم المحظوظون قبل الحرب، الذين عاشوا حياة جامعية ملؤها الصخب والحفلات الجامعية والرحلات الجماعية ودعوات الفطور والغداء.. وانكف الطلاب في زمن الحرب هذه تحت وطأة الضاغط المادي الخانق إلى أن تكون جل أحلامهم ألا يضطروا لعدم استكمال مشوارهم الجامعي نتيجة الفقر المدقع الذي أجبر الكثيرين على التخلي عن حلمهم الدراسي مقابل العمل والراتب..
هنالك حالات كثيرة أجبرت بعض طلابنا على ترك جامعاتهم، والسبب الأهم هو الواقع المادي الصعب، وحتى نسب التسجيل في الجامعات لم تعد كما كانت، بحسب آخر إحصائية قامت بها وزارة التعليم العالي.. فهل سنشهد تسرباً جامعياً على غرار التسرب المدرسي؟؟ أليس الأولى أن نشجع التعليم ونجعله ميسراً متاحاً ضمن الحدود المادية الدنيا مراعاة للظروف المعيشية؟
إن إنهاء الأزمة السورية عبر الحلول السلمية، وطرد الإرهابيين، سيفتح الآفاق أمام الحلول الاقتصادية التي ستنهض بحال البلد وتفتح أمامه الارتياح المعيشي، لينعكس إيجاباً على الفئات الفقيرة تحديداً، فهو كفيل بعودة أبنائنا إلى جامعاتهم واستكمال دراستهم ضمن ظروف مادية تحقق لهم التوازن النفسي والفكري؟؟ علينا التركيز على النهوض بالواقع الاقتصادي وفتح المجالات والأبواب أمام المستثمرين في المناطق الآمنة ودعم المصانع وتيسير القروض أمام التجار وأصحاب المهن حتى الصغيرة منها، فعودة الصناعة والتجارة هو العنوان الأبرز لعودة استقرار الأوضاع المادية التي ستنعكس إيجاباً على كل مفاصل الحياة، وبالتالي استقرار سعر الصرف ورخص الأسعار وامتلاء الجيوب بعد نفاذها.. والعودة بالطالب السوري الأذكى عالمياً إلى مكانه الطبيعي الجامعة التي منها سينبغ وتتحدّد رؤاه…