الجلاء.. ونهـوض الاقتصاد السوري
يحتفل شعبنا بالذكرى السبعين لدرّة أعيادنا، وفخر جميع السوريين، عيد الجلاء.. يوم رفع علمنا السوري في سماء الوطن المحرر من الاستعمار الكولونيالي الفرنسي الذي خرج مدحوراً، بعد أن تحولت أرض سورية من أقصاها إلى أقصاها إلى رمال متحركة ابتلعت جنوده وآلياته.
لقد واجه شعبنا المحتلَّ الفرنسي مستنداً إلى تكاتف جميع قواه السياسية وفئاته الاجتماعية ومكوناته الدينية والإثنية، وشكّل هذا التكاتف حجر الزاوية في الانتصار النهائي. لقد أراد أبطال الجلاء وطناً عزيزاً، موحداً لشعب ما قصّر يوماً في بذل الغالي، فكان 17 نيسان عام 1946 رمزاً لسورية الجديدة.
لقد عمل المستعمر على إلحاق النشاط الاقتصادي لبلادنا بمصالح فرنسا، في حرب الضواري لاقتسام العالم، وكانت السمة العامة للاقتصاد السوري زمن الاحتلال الفرنسي هي سيطرة المصارف والشركات الفرنسية على معظم فروع الاقتصاد السوري، كسكك الحديد والكهرباء والتبغ، مع ظهور شركات صناعية وطنية، وبخاصة شركات النسيج، لذلك لجأت الرأسمالية السورية ممثلة بالقوى الوطنية، إلى القيام بحملات لمقاطعة المصنوعات الأجنبية، والمساعدة على إنشاء صناعة وطنية، ولعل الميثاق الذي وضعه المناضل الوطني فخري البارودي يعبّر تماماً عن رؤية الرأسمال الوطني لأهمية الاعتماد على المنتجات الوطنية تحفيزاً للصناعة الوطنية الناشئة، إذ يقول البارودي :
(أعاهد الله والشرف على أن لا أصرف قرشاً في حاجة صادرة عن بلاد أجنبية ما دام منها في وطني العربي الكبير، وأن أعزز اقتصاديات بلدي، وأعمل لترويجها وتصريفها بكل ما لدي من قوة، والوطن شاهدي، والله حسيبي ونعم الوكيل). (1)
شهد الاقتصاد السوري بمختلف فروعه تطوراً ملموساً بعد الاستقلال، وبخاصة في الفترة التي أعقبت رحيل الديكتاتوريات العسكرية عام ،1954 وقيام عهد وطني استمر حتى عام ،1958 حين أُعلنت الوحدة السورية- المصرية. وبدأ على شكل شركات تضامن بين الرساميل التجارية والزراعية والصناعية الفردية للقيام بنشاط معين لا يستطيع كل منهم القيام به بمفرده، وقد بلغ عدد شركات التضامن في عام 1960 ما يقارب 5876 شركة اهتمت بالعمل ضمن الصناعات الصغيرة ومشاريع الزراعة، كذلك جرى تأسيس الشركات المساهمة التي نشأت بين التجار والصناعيين والمستثمرين السوريين، وبعض المستثمرين العرب والأجانب للقيام بمشاريع صناعية وزراعية وخدمية متعددة، وهكذا ظهرت الصناعة النسيجية الحديثة، والصناعات الغذائية والصناعات الزراعية، وصناعة الجلود والسكر والأسمنت، وشركات المقاولات والمصارف والتأمين، وبلغ عدد الشركات المساهمة 434 شركة في عام 1960.
وكم نحن بحاجة عند استرجاعنا أيام سورية الخالدة إلى استنهاض عوامل الانتصار على المحتل الأجنبي، والاستناد إليها في الصمود بوجه الغزو الإرهابي، وإنهاء أزمتنا الكارثية، والتوافق على مستقبل بلادنا الذي يريده شعبنا ديمقراطياً، علمانياً، تقدمياً.
إن الشيوعيين السوريين الذين ناضلوا من أجل الاستقلال وكرامة الوطن وحقوق المواطن ومنعة الاقتصاد، مازالوا على المتراس في مواجهة الإرهاب، ومن أجل وطن حر وشعب سعيد.