سطوة الفرح في قلوب السوريين.. تعال أيها العيد رغم الآلام!

ما هو سر هذا القلب السوري؟ هل امتلك القدرة على أن يصنع نظاماً خاصاً في هذا العالم الذي يضج بالحروب والموت والقذائف؟ هل خلق لكينونته عالماً مثالياً بعيداً عن مخططات الأشرار الذين يجتهدون في الليل والنهار لإغراق سورية بمحيطات وبحار من الدماء؟ من المؤكد أن النفس والروح النقيتين والمتجسدتين بالسوريين الطاهرين، الذين رغم الأهوال التي مرت عليهم خلال سنين الحرب إلا أن قبساً من نور الله الروحاني يجري في دمائهم، فيلهب حياتهم ويلهب سجيّتهم الطيبة التي تأبى الخنوع وتأبى القنوط والاستسلام.

إن جذورنا وحبنا لوطننا ليست فقط ههنا في الأرض، بل تمتد إلى السماء وتستمد معدنها وخيرها منها،هكذا يقول السوريون، فهم رغم الملمّات وخطوب هذا الوقت العصيب إلا أنهم مازالوا يرددون تراتيل صلاتهم، ومازالت دمشق في قلوبهم مكاناً يستحق العيش، ومازالت تستحق أن يموت الإنسان على أرضها وهو سعيد وممتن لحبيبة أزلية تقطن الأرواح قبل القلوب.. فإن كان السوري لا يعرف حب دمشق فما يجديه وقتئذٍ غروب الشمس من شروقها؟

وإذا كان الفرح قد غاب وتوارى في ظلام الحرب، إلا أن سطوته في قلوب السوريين مازالت تشد الرحال بهم إلى نجوم وأقمار تضيء عتم ذلك الظلام وتبدد الأحزان، فيبثّهم ذاك النور عزيمة على خلق جديد لفرح لن يغيب، وإن كان حضوره خجولاً في السنوات الماضية. سطوة الفرح التي تنال حيزاً عظيماً في قلب كل سوري عاش على هذه الأرض، فصنع لنفسه في كل جلسة مع أقاربه أو أصدقائه حفلة تبتهج فيها روحه وتقربه أكثر من أحبائه فيسهرون، ويضحكون، ويضجّون حياةً، يعلمون بها أعداءهم معنى أن تكون سورية تفرح وتخلق جواً من الفرح..

سطوة الفرح شهدناها في هذا العيد.. وكان واضحاً إصرار السوريين على العودة إلى الحياة ما قبل الحرب. ازدانت الأسواق قبل العيد بالناس الذين يحضّرون لاستقبال أيام الفرح، فهاهم يقبلون على شراء الحلويات واقتناء الألبسة الجديدة التي ستدخل السعادة على قلوب أطفالهم. وعلى الرغم من غلاء الاسعار وتقصير الحكومة في زمن الحرب في إرضاخ الدولار والتجار، وما تبع ذلك من ارتفاع فاحش في الأسعار تجاوز معدلاتها بأضعاف، كل هذا لم يثنِ العائلات السورية عن تحدي كل العوائق وتحدي الظروف المادية، وبدا هذا واضحاً في امتلاء الأسواق الدمشقية بالمشترين كل حسب إمكاناته وقدرته الشرائية.. فمنهم من اختار أن يصنع الحلويات في البيت، فذلك أقل تكلفة من السوق، ومنهم من قصد الأسواق الشعبية حيث تكون أسعار الألبسة أرحم من أسعار الأسواق في قلب المدينة..

وأتى العيد وأطل الفرح من القلوب المتعبة، فلاحت فرصة كبيرة للاحتفال به كما يليق بأيام فضيلة اختصها الله للسعادة والفرح ونسيان الأحقاد.. فامتلأت الساحات بالأطفال وعلت المراجيح وعلت معها ضحكاتهم التي ستفرح لها السماء قبل قلوب أهلهم.. وكذلك غصّت الشوارع بالذاهبين لمعايدة أقربائهم وأصدقائهم.. أما المطاعم والمقاهي الدمشقية فقد عادت لها الحميمية والأجواء العائلية واختار روادها الهناءة والسعادة على طاولاتها، فجلسوا يتلذذون بالمأكولات الشامية الأصيلة وهم يستذكرون طعم الحياة قبل الحرب وطعم الأمان والدفء وروائح الياسمين من الحارات العتيقة.. ولربما لاحت في عيونهم بارقة أمل بعودة تلك الأجواء وعودة الحياة إلى سابق عهدها..

هو الأمل المقرون بسلطة الفرح وهاهما قد توحدا في قلوب السوريين ليبعثا الإيمان العميق بحلم يكاد يكون حقيقة وعلى مرأى النظر.. حلم يبسط جناحيه قائلاً :هاأنا ذا سأقترب من أيامكم وسأعاود العيش بينكم.. سيتحقق السلام وستقف عجلة الحروب وستحيون في مجتمع ديمقراطي يعطيكم أكثر مما يأخذ منكم.. وسأجعل من حياتكم أعياداً بأعياد…

العدد 1136 - 18/12/2024