القدس… إلى أين؟!
انتفاضة ثالثة.. لعلها أول ما يخطر بذهن أي مواطن عربي أشبع على مر السنين بمفاهيم التضامن والوحدة العربية ووحدة المصير، عند سماعه لقرار ترامب الأخير بإعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني، فنحن تعودنا وبرومنسـية ثورية فطمنا عليها أن أرض فلسطين تستحق بذل الغالي والرخيـص فكيف القـدس، برمزيتهـــــا التاريخية والدينية لشعوب المنطقـة؟!
شهر ونصف قد مضيا على هذا الإعلان ولم نسمع بدعوة إلى انتفاضة أو كفاح مسلح، فما الذي يجري؟!
لقد قامت الانتفاضتان الأولى والثانية بناء على مجموعة من الأسباب المباشرة وغير المباشرة، فالاحتلال الإسرائيلي لم يترك وسيلة لاضطهاد الشعب الفلسطيني والتنكيل به إلا واستخدمها، والآن وبعد كل هذه السنوات ومع استمرار وجود العوامل التي أدت إلى قيام الانتفاضتين، وفوقها قرار ترامب الأخير إلا أن الموقف الرسمي الفلسطيني والعربي لم يرق إلى مستوى الحدث الجلل الذي يهدد القدس عاصمة فلسطين.
ولكن هل نستغرب ردة الفعل هذه في ظل تراجع الخطاب الثوري الرسمي الفلسطيني وإحالة العمل الفدائي والبندقية إلى التقاعد؟!
هل نستغرب ردة الفعل هذه من سلطة باتت مراهنة على الحل السلمي فقط مع من يقتل ويشرد أهلها كل يوم؟!
وهل نستغرب سكوت وتواطؤ معظم الدول العربية التي سلمت صكوك الطاعة للولايات المتحدة الأمريكية في القمة الإسلامية الأخيرة؟!
لعل الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن لتتجرأ على المساس بقضية القدس لولا ثقتها بدعم أهم الدول العربية لها ولخياراتها، وإشغالها الدول الداعمة للقضية الفلسطينية بهجمة إمبريالية من نوع آخر، فدعمها للحركات الفاشية التكفيرية في سورية مثلاً ما هو إلا شكل آخر لمحاولة السيطرة على المنطقة بعد زرعها للفاشية الصهيونية في فلسطين منذ عقود مضت.
اليوم، بعد كل خطاب وبعد كل موقف يصدر عن السلطة الفلسطينية، تزداد خيبة الأمل لدى الشارع الفلسطيني والعربي عموماً، إن التضحيات والدماء التي يبذلها الفلسطينيون كل يوم في ساحات النضال تتطلب دعماً سياسياً ومواقف حاسمة، إن قراراً كهذا يتطلب خطوات جريئة تدعم من هب واستشهد ودفع دمه فداء للقضية، تدعم من يعتقل وينكل به، فالمقاومون والأسرى صغاراً وكباراً يحتاجون إلى دعم حقيقي على أرض الواقع، كإلغاء الاعتراف بالكيان الصهيوني وإلغاء أوسلو والدعوة لمواجهة الاحتلال على جميع الصعد سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وإحياء العمل الفدائي المسلح والدعوة لانتفاضة جديدة، كما يتطلب دعوة الشعوب العربية للضغط على حكوماتها لإلغاء كل أشكال التطبيع مع هذا الكيان.
ولكن مواجهة العدو الصهيوني بمفرده لا تكفي، إنما يجب إقران ذلك بمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية التي تتتالى اعتداءاتها على شعوبنا، وهي مستمرة بذلك ولن تتوقف بسبب سياستها الإمبريالية الهادفة للسيطرة والاستغلال، فمن فلسطين إلى ليبيا والعراق واليمن وسورية تستمر الاعتداءات ولو أخذت أشكالاً مختلفة.
وقد تكون المقاطعة الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها من أنجع الطرق في محاربتها، وستضع حجر الأساس على طريق المواجهة الشاملة الفعالة لهذه الدولة ولكيانها المغتصب وجميع القوى والحركات المدعومة من قبلها.
إن إحياء الانتفاضة والعمل الفدائي في الأراضي الفلسطينية من جديد، سيكون صفعة لكل من راهن على أن العمل الفدائي قد اندثر ولا عودة له، سيكون صفعة لكل من راهن على أن الفلسطينين قد سلموا مفاتيح قضيتهم وتخلوا عنها.
إن فلسطين والقدس بحاجة إلى كل ضمير حي، بحاجة إلى كل دعم، والقضية الفلسطينية بحاجة إلى إعادة بعث في نفوس العرب وكل الأحرار في العالم، بعدما بذلت الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني كل الجهد لإفراغ القضية وحشد الرأي العام ضدها.
فلسطين قضيتنا كانت وستبقى…. وستبقى القدس عاصمة فلسطين الأبدية.