غطرسة أردوغان تحتاج إلى تحليل نفسي!

شن أردوغان حملة شخصية مهينة على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وهي في الحقيقة حملة فيها إهانة ليس لشخص رئيس الوزراء، بل للدولة العراقية والشعب العراقي.

(من أنت)؟ (أنت لست ندّاً لي ولا في مستواي).. (الزم حدودك).. هذا غيض من فيض مما قاله أردوغان في لحظة اهتياج وهذيان، لا تليق برئيس دولة إقليمية كبرى في المنطقة.

في الواقع يعجز (التحليل النفسي) عن تفسير وفهم ماهية وكنه الهجوم الشخصي اللاذع الذي شنه الرئيس التركي أردوغان على العراق، ممثلاً برئيس وزرائه والذي تجاوز أخلاقيات التخاطب وآداب البروتوكول وأبسط حسابات (حسن الجوار).. هنا ربما يكون السامع بحاجة إلـى(تحليل نفسي) لشخصية أردوغان وما صدر عنه من انفعالات تشعر بأن صاحبها يعاني حالة (مرضية) تتطلب المعالجة.

لاشك بأن الغطرسة وجنون العظمة هي بعض عناوين (التحليل النفسي) الذي يجب إجراؤه لشخصية أردوغان، وبضمن ذلك (لغة الجسد) و(ملامح الوجه المتغيرة بتسارع شديد).. إلا أن غطرسة سرعان ما تتحول إلى نقيضها عندما يجد المتغطرس نفسه أمام قوى أكبر منه وقادرة على إذلاله.. والدليل على ذلك (رسائل الاعتذار) الأردوغانية لموسكو والهرولة نحو إسرائيل.

بالطبع.. العراق في وضع لا يحسد عليه، ولهذا تنمّر وتغطرس أردوغان إلى أبعد حد، حيث لا خوف من ردة فعل ولا من دفع أثمان.. إذاً فيلردد أردوغان عبارات التنمر، ويبدي مشاعر العظمة والكراهية المذهبية والأحلام المستقاة من بطون الكتب العثمانية الصفراء والبالية.

الرواية الأردوغانية تصر على أن وجود قوت تركية في معسكر (بعشيقة) جاء تلبية لطلب عراقي حكومي، واستناداً إلى توافق من الجانبين، وهو أمر تنفيه الحكومة العراقية.. ثم يزعم أردوغان أحياناً أن حكومة إقليم كردستان تتحدث عن أن وزارة الدفاع العراقية على علم بالموضوع ولا تتحدث عن طلب أو اتفاق ثنائي. المؤكد أن أنقرة استجابت لطلب شخصيات عراقية للمساعدة في تشكيل ميليشيا سنيّة خاصة.

في كل الأحوال الحكومة العراقية طلبت بعد أكثر من عامين على وجود القوات التركية على أراضيها، أن تعود هذه القوات إلى بلدها، وأيد البرلمان العراقي هذا الطلب بالإجماع تقريباً، كما أن خمسة أحزاب من ستة أحزاب كردية طلبت سحب القوات التركية، وأكثر من 95% من شعب العراق يؤيد هذا السحب.. ومع ذلك مازال أردوغان يصر على استمرار وجودها، ولهذا توجه العراق إلى الجامعة العربية ومجلس الأمن بهذا الشأن مؤخراً. كل هذا زاد أنقرة صلفاً وعناداً، واعتبرت وجود قواتها في العراق غير قابل للنقاش!

لا شك بأن لدى العراق أوراق قوة كثيرة يواجه بها أردوغان منها: قطع العلاقات الدبلوماسية وسحب السفراء، والبحث عن مخارج جديدة وأسواق جديدة للنفط العراقي، وبمقدور العراق أن يستغني عن التجارة مع تركيا التي تزيد عن 15 مليار دولار، وبالتالي تركيا ستضرر كثيراً، إذا اتخذ العراق مثل هذه القرارات الحاسمة.

العراق حالياً مُنهك في التصدي لداعش ومطاردة آخر معاقلها في الموصل وتخليص البلاد من شرورها، وهذه مهمة أصبحت قريبة التحقق، ولو أنه ستبقى لداعش بعض الآثار الفكرية والاجتماعية التي تحتاج إلى سنوات لاستئصالها، ولكن أردوغان بغطرسته هذه يقامر بإثارة غضب كل العراقيين عرباً وأكراداً، لأن مسألة الوجود العسكري التركي على الأراضي العراقية دخلت في سياق (الكرامة والسيادة الوطنيتين)، إلى جانب أن معظم العراقيين يكرهون تركيا بالأساس، والآن ستتسع قاعدة الكراهية هذه في ضوء تصريحات أردوغان الاستعلائية المقيتة.. وهنا على أردوغان أن يتذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية بتحالفها الثلاثيني لم تستطع أن تبقى في العراق لأكثر من خمس سنوات، والأيام وحدها ستكشف ما إذا كان أردوغان قادراً على البقاء في العراق لمدة أطول.

العدد 1136 - 18/12/2024