العـلاقـة الروسية الإسرائيلية الشائكة
في خطوة استفزازية.. استعراضية، عقد مجلس الوزراء الإسرائيلي الأسبوع الماضي جلسته في الجولان السوري المحتل، وهي حادثة تحمل أكثر من رسالة. وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي اجتمع في سابقة هي الأولى من نوعها منذ احتلال إسرائيل للجولان عام 1967 أن (إسرائيل لن تتخلى أبداً عن مرتفعات الجولان)، وأنها (ستبقى إلى الأبد) جزءاً من إسرائيل.
جاء كلام نتنياهو بمثابة رسالة إلى الداخل الإسرائيلي يؤكد لحلفائه في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم أنه ملتزم بسياسات هذا الائتلاف، خاصة الحزب الأكثر تشدداً فيه (حزب البيت اليهودي)، الذي طالب بضم الجولان إلى إسرائيل بشكل نهائي، رغم علم منظّري هذا الحزب المتطرف أن الجولان المحتل كان آرامياً ثم رومانياً ثم عربياً، ولا يمكن لهم الادعاء أنه كان يوماً جزءاً من أي مملكة إسرائيلية بائدة.
على العموم يبقى تفسير اجتماع الحكومة الإسرائيلية في الجولان المحتل، التي استكملت بالمحادثات التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، على أنها رسالة إلى الداخل الإسرائيلي ضعيفاً، والأكثر موضوعية هو ارتباط هذا الاجتماع بتطور الأزمة السورية، وبالتحديد بالعلاقة الشائكة التي تحكم روسيا بإسرائيل، وأيضاً مرتبطة بتواقتها مع جولة محادثات جنيف بين الأطراف السورية، خاصة إذا ربطنا بها بنداً غاية في الأهمية، وهي أنه في مذكرة المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا من أجل سورية ذات البنود الـ12 والموزعة على وفود جنيف، ورد بند ينص على أن (الشعب السوري يلتزم بتحرير الجولان المحتل بالطرق السياسية). السياسية فقط؟. وللعلم أدان كل من وفد الحكومة السورية ووفد منصة القاهرة وموسكو، اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي، وأكدوا على تحرير الجولان بكل الطرق وبضمنها السلمية، في حين لم يصدر عن معارضة الرياض أي تعليق على حادثة هذا الاجتماع أو تعليق على بند ديمستورا؟ هذا يوحي بشكل ما بوجود نوع من التوافق الضمني بين المصالح الإسرائيلية ومصالح المملكة العربية السعودية، الراعي الرسمي لوفد الرياض فيما يتعلق بوضع سورية المستقبلي بشكل عام وليس فقط الجولان المحتل.
إن جيوسياسية الشرق الأوسط في العشرية القادمة سيغلب عيها الطابع الروسي-الإيراني، إذ تؤسس السياسة الروسية حالياً مسارات نفوذها الاستراتيجي في المنطقة عبر القوة المفرطة وقصيرة الأمد، من أجل خدمة الحلول السياسية الواقعية. وهي تستثمر دورها إلى حد بعيد كوسيط فاعل وإيجابي، يعكسه نشاطها الدبلوماسي على مستوى الإقليم، للتقريب بين سورية ومصر، وإمكانية التوسط بين إيران والمملكة العربية السعودية. كما يُظهِر مسار تطور الأزمة السورية أن الدعم الروسي العسكري الكبير للجيش السوري قد دفع فعلياً نحو الحل السياسي. ويبدو في هذا المسار أن النظام السياسي في سورية سيبقى وسيخرج مع حلفائه، خاصة حزب الله، دون أي خلل استراتيجي مهم، وهذا يقلق إسرائيل كثيراً، وهي تعتقد أنه حان الأوان للدخول على مسار الأزمة السورية لحماية مصالحها والضغط على روسيا لعدم تفعيل أي طرح لإعادة الجولان المحتل إلى الدولة السورية. لذلك يبدو أن اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل أتى استباقياً لحل الأزمة في سورية. لقد فرض الدخول العسكري الروسي على سورية خطوطاً حمراء من حيث حرية إسرائيل باستخدام القوة في المسألة السورية. صحيح أن إسرائيل قامت بعدة عمليات عدوانية في الداخل السوري، وقامت باغتيال الشهيد سمير القنطار منذ فترة، إلا أن هذا لا يعني أن هناك أفقاً مفتوحاً لهذه العمليات، خاصة مع وجود ذلك الرابط الموضوعي وليس (الإعلامي)، في أن العملية العسكرية في سورية يقوم بها ثلاثة أطراف أساسية هي الجيش السوري، وعناصر حزب الله، والقوات الجوية الروسية، وإن أي إضعاف لأحد هذه الاطراف هو إضعاف للجميع، بمعنى أن الروس وحزب الله هما حليفان للضرورة السورية، وهذا يفرض على إسرائيل قيوداً شديدة في التعامل العسكري مع حزب الله، وبالنتيجة على محاولتها إحداث خرق ميداني في الساحة السورية.
نتنياهو قال الجولان لنا إلى الأبد، والنظم العربية التي تتبجح بمواجهته قالت إن السلطة ستبقى لها إلى الأبد، وكلاهما جاهل أنه لا يوجد في التاريخ شيء اسمه ( إلى الأبد). العالم الجيوسياسي في تغيرٍ دائم، ومن لا يتكيف مع هذه الحقيقة سيدهسه المستقبل وسيجرّ شعبه إلى المآسي والويلات.