زمهرير الفقراء يورق في مدافئ الأغنياء!
فقراء جدد..أغنياء حرب..موت صامت متدثر بعباءة الجوع والبرد ينقل خطواته بين من التهمتهم أفواه من قرروا الحرب..يقترب منهم اقتراب الغربان في كبد السماء بانتظار نتائج المنازلة الأخيرة للمتحاربين..يحيل أيامهم إلى يأس ويلقي بهم في كل لحظة نحو أفران الشقاء…
إنهم الفقراء الجدد في الحرب الدائرة منذ أكثر من خمس سنين من عمر الأزمة الوجدانية والأخلاقية في ضمير العالم كله..الفقراء الجدد هم من أذهبت الحرب حياتهم ومنازلهم وممتلكاتهم وأبناءهم، ولكنهم صبروا وتحملوا على أمل أن تنتهي هذه الحرب، وعلى أمل أن تقدّر لهم الحكومة صبرهم فتخفف عنهم معاناتهم وتطفئ بالتفاتها نحوهم أفران الشقاء تلك التي مازالت تشوي كل شريف نظيف اليد والقلب في هذه الحرب..ولكن ما حصل كان مخيباً للأمل، فطاحونة الشر الكبرى التي يديرها أعداء سوريا خارجاً وجدت من يؤازرها في الشر داخلاً فظهرت إلى العلن طبقة من ناهبي الأموال وسارقي لقمة البسطاء كالتجار والمحتكرين والمتلاعبين بالاقتصاد الوطني من خلال فوارق ارتفاع الدولار وهبوطه.. فكانت فرصة لتلمع أسماؤهم كأغنياء حرب فاحشي الثراء، يقابلهم على الضفة الأخرى الفقراء الجدد مدقعو الفقر..
ولأن العقل والمنطق يتخذ من نتائج المحاكمات العقلية دليلاً لا شك فيه..وأسلوباً ومنهجاً يحتذى به في المحاكمات العقلية القادمة..فالعقل والمنطق هنا يفضي إلى نتيجة جوهرية مفادها أنه ما اغتنى غني في هذه الحرب وامتلأت خزائنه ومعدته ومدفأته إلا من الفقراء وجوعهم وزمهرير الأجساد التي سكنها الأسى والحرمان ونال منها الشقاء والأحزان.
وأكثر ما يدمي ويؤذي الأجساد بل ويقتلها هو البرد..وهاقد أتى موسم البرد وأتت معه مخاوف الفقراء من ذلك الوحش الذي يجمد الدماء في العروق ويضرب الأجساد الصغيرة بسياط من زمهرير فيؤلم ويبكي ويميت..ومع انعدام وسائل التدفئة نتيجة غلاء بعضها وفقدان بعضها الآخر يجد المواطن السوري نفسه عاجزاً كل العجز عن تأمين ولو وسيلة واحدة ليدفئ أطفاله، وخاصة أن الاعتماد على الكهرباء غير مجدٍ.. فالتقنين يزداد شتاء..وحتى إن أراد المواطن خيار التدفئة على الغاز فما يجعله يتردد هو الانقطاع المفاجئ للغاز أيام البرد تحديداً حتى تصبح قارورة الغاز صعبة المنال….
في السابق كانت معظم الأسر تعتمد على المازوت في التدفئة، ولكن حالياً بعد قرارات الحكومة برفع الدعم عن المحروقات ليصبح سعر الليتر من المازوت 180 ليرة سورية وبحسبة تقديرية سيبلغ سعر البرميل (200 ليتر) 36 ألف ليرة سورية يكفي لمدة شهرين مع التقشف طبعاً وهذا يعني أن يستغني الموظف عن راتب شهرين كي يؤمن برميلاً واحداً من مادة المازوت..وكيف السبيل إلى الاستغناء وغض النظر عن متطلبات الأكل والشرب والفواتير والتنقل والتعليم والمرض؟؟فهل يؤجل كل هذا؟؟.. أم أن الأولى والأجدى أن تشفق الحكومة على حال فقرائها ومنكوبي الحرب من مواطنيها فتنظر إليهم بعين العطف وتحاول أن تدعم المازوت تحديداً رأفة منها بالأجساد التي ينال منها البرد فيفتك بها؟؟
أليس من واجب الحكومة أن تنشر جناح الرحمة على مواطنيها فتحّسن معيشتهم وتدفئ لياليهم، والأهم أن تلاحق من يتلاعب بالسوق ويرفع الأسعار ويستغل حاجة الناس، فيسرق منهم أموالهم نهباً وفي وضح النهار ويخمد مواقدهم كي تعمر مدفأته هو؟؟ألا ترى الحكومة كيف يلجأ الناس لقطع الغابات وقتل الأشجار واغتيالها مقابل الحصول على الدفء؟؟ألم يسمعوا بفقراء ليس لهم راتب شهري ولا هم موظفون، كيف يموتون جوعاً وبرداً وقهراً؟؟.. إن موت الدفء في أجسادهم هو موت الإنسانية في مدافئ الأغنياء، فليتدفؤوا على زمهرير البسطاء! وليتذكروا أن ذلك الزمهرير هو ما أشعل مواقدهم وأدفأ لياليهم…سلام على الأجساد التي مازالت تقاوم اللصوص وتقاوم البرد..