لماذا الهجوم على تدمر مؤخراً؟

عندما شعرت الولايات المتحدة أن تحرير شرقي حلب من أيدي المجموعات الإرهابية المسلحة، وفي مقدمتها النصرة، أصبح قاب قوسين أو أدنى، أوعزت إلى تنظيم داعش الإرهابي بمهاجمة مدينة تدمر التي كان قد طُرد منها في شهر آذار الماضي، حتى أن زيارة وزير الدفاع الأمريكي كارتر الخاطفة جاءت في هذا السياق، وليشرف شخصياً على تنفيذ هذا الإيعاز، إلى جانب توقيف الهجمات العراقية على الموصل لمدة يومين بحجة مراجعة الخطط، ولكن الهدف من هذا التوقيف، هو تخفيف الضغط على داعش، كذلك جرى توقيف الهجمات لمسلحي (درع الفرات) باتجاه مدينة الباب لأيام، لهذا الغرض نفسه.

إذاً، الهجوم على تدمر كان أمرَ عملياتٍ أمريكياً للتعويض عن خسارة عملاء واشنطن في شرقي حلب، وجاء أيضاً بهدف (خلط الأوراق)، خصوصاً مع وجود عدد كبير من القوات في مطار كويرس، وتقدّم الوحدات الكردية بخطّ موازٍ لمحور عمليات الجيش السوري نحو مدينة الباب، والتمهيد لبدء عملية للقوات السورية لاسترجاع أحد أهم معاقل داعش في ريف حلب الشرقي، أي الباب.

جدير بالذكر أن إرهابيي داعش استغلوا الضباب الكثيف الذي شهدته بادية تدمر آنذاك، فشن الآلاف منهم هجوماً عنيفاً على المدينة، تخلّله تفجير عدة عربات مفخخة وقيام انتحاريين بتفجير أنفسهم في محاور الاشتباك. وفي سياق متصل ذكرت مصادر معارضة أن هذا الهجوم جاء بعد استقدام أكثر من ألف إرهابي داعشيّ من العراق، عبروا إلى سورية على مرأى ومسمع قوت التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، وتشكيل غرفة عمليات خاصة بالبادية، فالتنظيم- حسب مصادر معارضة- يعتبر بادية تدمر معقلاً رئيسياً له ولن يسمح باختراقها.

بكل المقاييس فإن تحرير شرقي حلب شكّل ضربة موجعة، بل أكثر من موجعة للولايات المتحدة وحلفائها وعملائها في المنطقة، خاصة في تركيا والسعودية وقطر، بل يعتبر إنجازاً وفعلاً استراتيجياً في صراع الإرادات، من شأنه أن يفوّت على أطراف التآمر تنفيذ مخططاتهم، ليس فقط لإسقاط الدولة السورية بكل مقوماتها، بل البناء على هذا الإسقاط لتغيير معالم المنطقة بأسرها، لصالح التحالف الأمريكي العربي الصهيوني.

إذاً، لم يكن الهجوم على تدمر ودخولها من قبل داعش مفاجئاً، بل يأتي في إطار عدة معارك ستُشَنّ على الجيش السوري، فالرئيس أوباما لا يريد الخروج من البيت الأبيض (مهزوماً) بهذه الطريقة، من منطقة هي مسرح القوة والحضور المؤثر للولايات المتحدة.

لا شك في أن الانتصار الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه في حلب كان بمثابة (خبطة بالفأس على الرأس) بالنسبة لأطراف متعددة معروفة للجميع، ويكاد كمّ الأسلحة التي كشفت بعد سقوط معاقل الإرهابيين وأوكارهم في شرقي حلب يشير بوضوح إلى أن التحالف الأمريكي الإسرائيلي العربي التركي يخطّط، لا للبقاء في حلب وتقسيمها فقط، بل أيضاً للعمل في اتجاهات أخرى لتدمير مدن سورية أخرى وتقسيمها كما كانوا يحلمون بتقسيم حلب عبر إقامة ما يسمّى (إدارة ذاتية) في شرقها، ذلك أن إسقاط سورية يمهد الطريق لهذا التحالف للانتقال إلى دول عربية أخرى.

باختصار، إن النصر في حلب ليس مجرد انسحاب لمجموعات إرهابية أو تقدم عسكري هنا أو هناك، إنما هو انتصار لمحور المقاومة على مشروع أمريكي – صهيوني كبير، لو نجح لكنا نتحدث عن ولايات وإمارات تمتد من حلب إلى الموصل، فقرار الاستيلاء على حلب هو قرار استخباراتي دولي بتمويل سعودي – قطري.

نعم، إن النصر في حلب أكثر من الكلمات، ولكن في الوقت نفسه علينا أن ندرك أن الأعداء لن يسلموا بالهزيمة، وسيحاولون فتح جبهات أخرى كما في الهجوم على تدمر مؤخراً.

العدد 1140 - 22/01/2025