واشنطن تحتاج إلى سياسة جديدة.. لماذا؟!
لم يتوقف خبراء السياسة الخارجية المخضرمون في الولايات المتحدة ومنهم هنري كيسنجر على سبيل المثال، عن تذكير مؤسسات صناعة القرار السياسي في بلادهم، بأن العالم الذي تغير من حولهم لم يعد يتقبل السياسة الخارجية نفسها التي لاتزال تتمسك بالقواعد نفسها التي كانت تعبر عن نظام عالمي لم يعد موجوداً الآن.
وأجمع هؤلاء الخبراء على أن المشكلة لها شقّان اثنان، الأول هو عدم تقبّل قطاع كبير من النخبة الأمريكية فكرة تخلّي الولايات المتحدة الأمريكية عن وضعها بوصفها القوة المهيمنة التي تتربع على مركز قيادة العالم، والثاني أن الأمريكيين أنفسهم وبشكل عام لا يتصورون أن تكون أمريكا دولة متساوية مع غيرها في إدارة النظام الدولي.
في خضم هذا الجدل، اهتم المجتمع السياسي الأمريكي بمؤلف للكاتب البارز إدوارد غولدبرغ، تناول فيه جوانب أساسية من هذه القضية، فأفردت له الصحف والمواقع الإعلامية مساحات لمناقشته.
الكتاب أو المؤلف صدر عام 2016 وعنوانه (لماذا تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية جديدة؟).. يطرح غولد برغ عدداً من النقاط التي تتعلق بتحولات النظام العالمي، التي لا تنسجم معها المناهج الحالية لسياسة أمريكا الخارجية، ثم يتحدث عما يمكن أن يتصرف به الرئيس الجديد مع هذه القضايا والمسائل الهامة.
يقول غولدبرغ في كتابه: (إن سياسة أمريكا الخارجية تركز بصورة كبيرة على عالم لم يعد له وجود.. عالم كانت فيه القوة السياسية تقاس بالقدرات العسكرية، أو الإيديولوجية المتشددة، وأن مصير أمريكا أصبح متداخلاً مع شركاء آخرين في العالم، منها التداخل في المصالح الاقتصادية، إضافة إلى ما هو مطلوب من سياسات للتعامل مع دول مثل روسيا ودول عديدة في الشرق الأوسط، والأكثر أهمية هو كيف يمكن لأمريكا أن تكون (الأولى)، لكن ضمن مجموعة دول متساوية في عالم تداخلت فيه المصالح المشتركة والتبادلية؟
يقول غولدبرغ: إن هذا التداخل يجعل سياسة أمريكا الخارجية الحالية بعيدة عن الواقع الدولي الراهن، وفي عالم اليوم – المتغير- صار مصطلح الحليف غير ذي موضوع، فالمملكة المتحدة حليف قديم لأمريكا، لكن الصين صارت أكثر أهمية للولايات المتحدة، نتيجة للاعتماد المتبادل بين الدول. وبناء على التحولات العالمية، فإن مصطلح (أمريكا دولة لا غنى عنها) الذي صاغته مادلين أولبرايت، عندما كانت وزيرة خارجية قبل 18 عاماً لم يعد يستقيم مع الوضع الدولي الحقيقي، وبدلاً من هذا المصطلح عليها أن تعتبر نفسها شريكاً لا غنى عنه مع آخرين.
ويرصد غولد برغ الأحداث التي نتجت عنها هذه التحولات في النظام العالمي وهي: سقوط جدار برلين، وصمود الصين كقوة كبرى، وإنشاء تجمع البريكس الاقتصادي، والتطور التكنولوجي المتسارع، وأحداث 11 أيلول عام ،2001 والحرب في العراق وأفغانستان وسورية، وتصاعد الإرهاب، والأزمة المالية عام ،2008 والربيع العربي، وأزمة منطقة اليورو، وبروز آسيا بصحوتها القومية، والعولمة التي جعلت أمريكا أقل استقلالاً عن ذي قبل.
وبناء على هذه الأحداث وتداعياتها، يطرح المؤلف عدة تساؤلات منها: هل يتغير نمط الاقتصاد السياسي في العالم مع تولي ترامب الرئاسة؟ وهل تكون هناك حرب تجارية بين أمريكا والصين؟ كيف ستتغير علاقة أمريكا بالاتحاد الأوربي شريكها التجاري الرئيسي؟ وهل أمريكا مازالت قادرة على الهيمنة على العالم؟ ثم يقول إن البيئة الجيوسياسية في العالم التي تسودها الفوضى والسهولة لم تعد ملائمة لدور تلعبه دولة واحدة في قيادة العالم.
ومما يجدر ذكره أن تركيز الإعلام والنخب السياسية على كتاب غولد برغ، يعود إلى أنه من أهم الخبراء في العلاقة بين العولمة السياسية والعولمة الاقتصادية، وأيضاً هو أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة نيويورك، وأستاذ زائر بجامعة كاليفورنيا.. ولهذا لقي كتابه اهتماماً كبيراً في هذا الوقت بالذات الذي يرى فيه الكثيرون حاجة أمريكا إلى سياسة خارجية جديدة.