عوامل الانتصار على النازية ودحر الفاشية
الاحتفالات بذكرى الأحداث التاريخية الكبرى تمنحنا فرصة لتأملها وتحليلها واستخلاص العبر والعظات منها، وتتيح لنا تحيين التاريخ بوصفه حركة معقدة ومتشابكة من الأحداث والصراعات المستمرة بأشكال مختلفة من الماضي عبر الحاضر إلى المستقبل.
الانتصار التاريخي الإنساني العظيم الذي حققته الشعوب السوفييتية عام ،1945 هو درس مشبع بالعبر والدلالات، تفضي إلى حزمة متكاملة متفاعلة من الاستنتاجات، فمراجعة حيثيات الحدث الجلل وظروفه بشكل علمي موضوعي على ضوء ما تكشف من معلومات حوله، ومن خلال آليات معرفية معاصرة، تصبح ضرورة لفهم الحدث، بغية تعميم النتائج والاستفادة منها، وتوضيح الأسباب والمقومات التي قادت إلى النصر الكبير في عالم مازالت تتصارع فيه القوى الباغية للهيمنة والسيطرة على خيرات شعوبه ومقدراته.
من الخطأ المنهجي الحديث عن هذا الانتصار دون الحديث عن ثورة أكتوبر الاشتراكية التي غيرت مجرى التاريخ، بانتصار أول ثورة اشتراكية ظافرة في تاريخ الإنسانية، وإقامة دولة العمال والفلاحين بقيادة حزب الطبقة العاملة الحزب الشيوعي السوفييتي، بلغة تلك المرحلة الحاسمة ومفاهيمها. تلك الثورة التي أرست المقومات الأساسية لبناء دولة أقرب ما تكون إلى العدالة، وبذلك حققت جزءاً من حلم البشرية بدولة لا تقوم على أساس استغلال الإنسان للإنسان أو طبقة لأخرى.
استطاعت الدولة السوفييتية بكل مقوماتها: الوطن، الشعب، المؤسسات، بما فيها القيادة السياسية، بتفاعل العلاقة الجدلية بين تلك المكونات، وبإرادة الجماهير الكادحة والقوى الوطنية وقياداتها الفكرية والثقافية والسياسية، استطاعت أن تدافع عن وطنها السوفييتي الوليد وتنجز الانتصار الكبير. لم تتوقف هجمات الرأسماليين والمستغلين وأعداء التقدم عن الكيد ومحاولات العدوان والتخريب، لإجهاض تلك الدولة الفتية الناشئة وتقويضها. فجاء العدوان النازي الفاشي الجديد بإعلان هجوم غاشم على الوطن السوفييتي وعلى شعوبه المحبة للسلام.
استطاعت الدولة السوفييتية بفضل الروح الوطنية العالية لشعوبها، وبفعل العلاقات الوطيدة القائمة على الأخوة بين هذه الشعوب، وبينها بين قياداتها السياسية التي قدمت نماذج لا تنسى في التضحية والعطاء كستالين وجوكوف وغيرهما، أن تحقق الانتصار التاريخي على همجية النازية ووحشية الفاشية. لقد توفرت معظم العوامل الضرورية لتحقيق هذا النصر التاريخي المؤزر.. من وضوح في الهدف، ودقة في رسم الخطط، ومهارة في تطبيق التكتيكات السياسية والعسكرية، وحكمة في الإدارة الاقتصادية، وترفّع عن المكاسب الشخصية، والحرص على تحقيق العدالة في المشاركة في المعركة، التي دفعت فيها الشعوب السوفييتية أكثر من 25 مليون شهيد، دعك من الجرحى والمصابين والمعوقين والخراب الاقتصادي وتدمير المدن.
كان لإرادة المقاتلين السوفييت في الجبهتين الداخلية والخارجية، بعد انصهارهما في جبهة واحدة، الفضل الأكبر في تحقيق الانتصار، أما القيمة العليا التي حفزت المقاتلين وشدت من عزائمهم، فهي أنهم جميعاً يدافعون عن وطنهم السوفييتي، الذي أعطاهم الكثير، فردّوا له العطاء بالتضحية في سبيل انتصاره وبقائه.
لم يكن الانتصار على الفاشية والنازية نصراً للاتحاد السوفييتي وحده، وإنما للبشرية جمعاء، لقوى الخير والمحبة والسلام على قوى الهمجية والعدوان، فالتاريخ لا يعيد نفسه، ولكن الجوهر الذي يحركه يبقى واحداً، وهو صراع طبقات، وبتعيير آخر تصادم مصالح، فما نشاهده اليوم من صراع عالمي واضح على الساحة السورية إن هو إلا شكل جديد لتجليات ذلك الصراع القديم، بين المستغَلّين والمستغِلّين، بين القوى التي تكافح في سبيل المحافظة على أوطانها وتسعى إلى علاقات دولية تقوم على التكافؤ والتعامل بالمثل، وقوى الهيمنة والتنميط التي تحاول فرض سيطرتها على العالم بالقوة.
العالم اليوم يتابع انتصارات التاسع من أيار، بمواجهة قوى البطش والاستبداد، ويسعى إلى صياغة عالم جديد يؤسَّس على تعدد الأقطاب وتكافؤ المصالح وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الدول وداخل كل دولة، وذلك بالتوزيع العادل للثروات وتكافؤ الفرص وضمان حقوق الأوطان والمواطنين، وصياغة قانون جديد للعلاقات بين الدول تنتفي فيه الموازنات بين القوي والضعيف والأكبر والأصغر، قانون يأخذ بالحسبان احترام خصوصيات الشعوب وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ومن ذلك حقها في اختيار أنظمتها الاجتماعية، وتحقيق إنسانية الإنسان في أي بقعة كانت من الأرض، بغض النظر عن لونه وقوميته ومعتقداته الدينية.