بخور الفاسدين يخنق زوربا ونصيحته
ظهر الفساد في البر والبحر والأرض والتراب والشوارع والمنازل وعم بلاؤه الأنفس فتلوثت الروح وغاب سرها السامي بين تجاويفه المقيتة ليموت الخير فيها .. وتضمحل الإنسانية بدورها إن لم نقل شيعت بفضل الفاسدين إلى سرداب لا قرار له لتغيب بلا عودة..
إننا في زمن يشعل فيه الفاسدون بخورهم ليطوفوا هذه الأرض كالفاتحين الجدد.. لقد صار للفساد بخور يحرق ليميز به الفاسد، فيتعالى ويتكبر بدل أن يخجل وينزوي بعيداً عن أعين الشرفاء خشية الفضيحة..ولكن في هذا الزمن الفضيحة لمن لم يسرق ولم يرتش ولم يجمع الأموال الوفيرة من حاجة الناس وفقرهم.. والغبي في هذا الزمن هو من يقدر أن ينهش من قلوب متضرري الحرب وأرزاقهم ولم يفعل.. والأبله هو من يستلم منصباً ولا يستغل كل ثانية ودقيقة ونفس ومورد وصفقة، فيملأ بهم خزينته الخاصة فيرضي بكل ذاك الحفيد قبل الابن.. والغريب قبل القريب .. والعشيقة قبل الزوجة..
لو كان زوربا اليوناني بطل قصة( زوربا) للكاتب نيكوس كازانتزاكي حياً لنصح الفاسدين في أرضنا أن ينهجوا نهجه.. ففي إحدى تجاربه يقص علينا كيف سرق من جيب والده مبلغاً من المال، وذلك كي يشتري كمية كبيرة من الكرز الذي ومن شدة ولعه بهذه الفاكهة كان يحلم بها ليل نهار.. وبعد أن سرق المال اشترى الكرز وبدأ يأكل ويأكل ويجبر نفسه على أكل المزيد حتى أصابته تخمة وألم به وجع بطني حاد دفعه الى التقيؤ..فكانت تلك آخر مرة يأكل بها الكرز.. لقد كره زوربا الكرز..
ولكن لو يستفيد الفاسدون في وطننا الجريح من تجربة زوربا.. لقد التهموا بما فيه الكفاية حتى وصلوا إلى مرحلة الآلام البطنية الحادة.. ولربما تقيؤوا من كثر التخمة.. أفلا يعقلون للحظة فيكرهون جمع المال كما كره زوربا الكرز؟
إننا في زمن استثنائي.. زمن يتمنى فيه الفاسدون لو تطول الحرب أكثر فالمجالات للفساد فيها أوسع.. زمن يتمنون به لو تشرق الشمس فيه أبكر كي تنادي خزائنهم وجيوبهم هل من مزيد؟؟ زمن تلصق التخمة فوق التخمة.. والخزينة بقلب الخزينة.. والقصور بجانب القصور.. وكل هذا والفقراء يزدادون بفسادهم فقراً.. والبلاد تحت سياط الإرهاب وسطوة الفاسدين تزداد برداً وجوعاً وأسى وسواداً..
لو نعمم ثقافة زوربا في الفساد لربحنا الكثير ولانكفأ الفاسدون تحت وقع نتائج تجربة زوربا فلزموا حدهم وتقيؤوا سرقاتهم، فعافت نفسهم الاستمرار في السرقة كما عاف زوربا الكرز بعد تخمته منه..
لو استفاد الفاسدون في وطننا من درس الكرز …لما بقي فساد عام وشامل وتام وكامل ومطبق على هذه المدينة التي أنهكتها الحروب وأنهكها الفاسدون..ولكن بخور فسادهم المقيت خنق الشعب وخنق زوربا ونصيحته ..ليموت زوربا مرتين..مرة في نهاية القصة..ومرة ثانية عندما بعث من رقاده وأتى لنصيحة الفاسدين في سورية فاختنق ببخور فسادهم.. الذي ملأ الأرض.