كلمة الدكتورة سلوى عبد الله وزيرة الدولة لشؤون المنظمات والاتحادات

 ألقت د. سلوى العبدالله (وزيرة الدولة لشؤون المنظمات والاتحادات) كلمة في الاحتفال:

نهاركم سعيد

شكراً لدعوتكم وأنا سعيدة لوجودي بينكم ومعكم،

يقول جبران: المرأة التي يتحسن مزاجها وتكفكف دموعها إذا أهداها أحد وردة أو فنجان قهوة، هذه المرأة لا يمكن للعالم كله أن يغلبها. إذا كانت هذه المرأة لا تُغلَب، فكيف بتلك المرأة التي تستقبل جثمان ولدها الشهيد وهي تزغرد، وتلك التي تقول قدمت ثلاثة شهداء وأنا على استعداد لتقديم الرابع كرمى عيون الوطن…! حقاً هذه امرأة لا تُغلَب.

لأجل هذا استُهدِفت المرأة السورية في هذه الحرب البشعة الضروس على سورية، استهدفت بشكل ممنهج ومدروس وبغرف عمليات قادها علماء وسياسيون خبراء، استهدفت فيها المرأة لأسباب ثلاثة:

الأول: أن المرأة في سورية هي ربة المنزل وهي مدبرته، وهي من تدير شؤونه كلها ابتداءً من الحاجات اليومية الصغيرة وصولاً إلى تقرير المصير بالنسبة للأسرة ككل.

الثاني: أن المرأة في المجتمعات عامة وفي الشرقية خصوصاً تمثل كرامة الجماعة وشرفها، فإذا قمنا بالإساءة لهذا الرمز فنحن نزيد المعركة شراسة ووحشية من كل الأطراف، وفي كلٍّ من هذا خير. ومن هنا كان جهاد النكاح والاغتصاب والسبي وبيع النساء السوريات في سوق النخاسة في مخيمات النزوح.

الثالث: أن المرأة هي حاضنة المستقبل وصانعته وصانعة رجاله، فإذا استهدفناها قضينا على هذا المستقبل.

ربما نجحت المؤامرة في أماكن ضيقة، لكنها فشلت في أهدافها الأساسية فشلاً كبيراً، فها هي نساؤنا وأمهاتنا تلملم جراحها وتحتضن أسرها، وتقوم بكل مهامها من الطبخ والتدريس والتأكيد أن النهار قريب لا محالة، وها هي خيوطه تبزغ من عمق الليل الحالك، وكل ما تسمعونه يا أطفالي هو رعد وبرق والصفاء وشيك. كل هذا فوق الأنقاض وتحت الأدراج في الأبنية المهدمة، كل هذا ولم يستطع أحد أن يكسر إرادتها بالحياة والتصميم على حماية أسرتها وعلى النجاة، وكم سمعنا ورأينا أمهات تأخذ أطفالها إلى المدارس صباحاً تحت القصف والضرب، وتعود ظهراً لأخذهم والإصرار عليهم أن يتابعوا دروسهم ويكتبوا وظائفهم. وكم من نساء أصبحن إضافة إلى كل هذا المعيلات الوحيدات لأسرهن، فهل تخلت امرأة عن واجبها تحت أي ظرف؟ فكيف لامرأة كهذه أن تُغلَب؟!

أما نساؤنا الشريفات اللواتي تعرضن لكل الأشكال البشعة والقميئة من التعامل، فأنا أتحدى أن تكون هناك امرأة سورية شعرت أن رأسها انخفض قيد أنملة، لأن الجسد إلى التراب أما أرواحهن الطاهرة النقية فهي في ذمة الله، وفي ضمير الإنسانية وصمة عار لكل من ساهم وشارك في دعم المؤامرة والإرهاب على سورية.

إذاً كلنا لا نخاف على المرأة السورية لأنها ليست وليدة اليوم، هي ابنة حضارة مغرقة في القدم، وهي حفيدة عشتار وجوليا دومنا وزنوبيا اللواتي هززن عروش الدنيا، ولعلنا لا ننسى نازك العابد التي منحها الملك فيصل رتبة نقيب وهي تقاتل إلى جانب يوسف العظمة وترتدي البذلة العسكرية، وهم يريدوننا اليوم أن نرتدي جلابيب الجهل والتخلف، كذلك لم يخفت صوت ماري عجمي رغم جراحها وحزنها على خطيبها الذي أعدم مع شهداء 6 أيار وهي تنادي بالسوريين بعد الحرب العالمية الأولى: أيها السوريون إلى مصنوعاتكم. هؤلاء هن جدّاتنا فإلى أين يحاولون أخذنا؟!

لكن المشكلة في سورية حقيقة تكمن أنه كما أن لدينا العديد من الإثنيات والطوائف والمذاهب، كذلك لدينا العديد من مستويات الوعي والثقافة، وبتفاوت كبير، وهذا واحد من أخطاء وسهوات التنمية البشرية لدينا، مثلاً أتتني الأسبوع الفائت سيدة تشكو من العقم بعد ستة أولاد! لأن لديها ذكراً واحداً وخمس بنات. وفي عام 2012 في أحد مؤتمرات الحوار الوطني تصدت شابة متمردة كالزهرة البرية للحضور وطالبت بحق المرأة في المساكنة وحقها في الزواج المدني..! هذه صورة بسيطة للمروحة الواسعة في مجتمعنا بالنسبة للمرأة.

وأريد أن أذكر هنا مقالاً قرأته لحسن. م. يوسف في جريدة (الوطن) منذ أسبوع يتحدث فيه عن قرية هندية (بيلا نتري) في ولاية (راجاستان) التي يقوم أفرادها بزرع 111 شجرة كلما ولدت لأحدهم فتاة، ويقومون برعاية هذه الأشجار والاهتمام بها كدليل على الخصب والخير الذي تحمله البنات، حتى جاوز ما زرعوه المليون شجرة.

وقصة شبيهة لتلك التي حصلت في عيادتي الأسبوع الفائت حصلت معي في عام 1985 عندما دخل العيادة شاب وصبية في العشرينيات من العمر باللباس العربي، وسيمان وجميلان، هو كالرمح العربي وهي كالغزال، وقالا إنهما حضرا من أجل الإنجاب، فسألت كم مر على زواجكما؟ قالا: أربع سنوات ونصف. ألم تراجعا عيادة نسائية من أجل هذا؟ لا. وازداد إعجابي بهذا الوعي خاصة أنهما بعمر 21-،22 واستفسرت من الزوجة عن وضعها النسائي فأجابت: بعد طفلي الأول حملت مباشرة وكذلك بعد الثاني أما بعد الثالث فها أنا فطمت منذ أربعة شهور ولم يحصل الحمل حتى الآن.

وهكذا بعد كل كلمة كانت تتفوه بها كانت وزوجها تصبح أقصر وأقل جمالاً، حتى وجدت أمامي مريضاً ومريضة بلا طعم ولا لون ولا رائحة. فعلقت: هو وضع طبيعي ويمكننا الانتظار قليلاً وكل شيء سيأتي بوقته وإن تأخر عن سنة كاملة يمكننا أن نبحث عن السبب. لكن الرجل انبرى قائلاً: أخذتها على صيت أمها، أمها جابت 18 ولداً، فإن كنا سننتظر سنة بين الولد والآخر فلن نلحق أبداً هذا العدد.

هذا كان في عام ،1985 ومثله تكرر الأسبوع الماضي.. إذاً ماذا فعلنا نحن كدولة أو منظمات أو أحزاب معنية بالشأن النسائي خلال كل هذه السنوات ؟! وأين يكمن التقصير؟ هل هو في الإرادة الحقيقية للتعامل مع مشكلة المرأة؟ أم في مفاصل التواصل فيما بيننا فكانت جهودنا مفككة ومبعثرة؟ أو هي في القوى الداعمة والراعية لهذه العملية؟

هنا أحب أن أشير إلى أن القوانين والأنظمة لم تقصّر مطلقاً في هذا الشأن، إذ إن المرأة السورية حصلت على حق الانتخاب منذ عام 1949 أي قبل كل النساء العربيات، وقبل معظم النساء الأوربيات، حتى قبل المرأة في سويسرا، كذلك كانت المرأة السورية هي الأولى عربياً في الترشيح للمناصب، فدخلت مجلس الشعب، وصارت مديرة ورئيسة مؤسسة ونائبة رئيس جمهورية، ومستشارة سياسية في رئاسة الجمهورية، ورئيسة مجلس الشعب، ودخلت سلك القضاء ووصلت إلى منصب النائب العام، ولدينا لواء في الجيش، ومازلنا نطمح إلى امرأة محافظ…

وقد نصت المادة 23 من الدستور السوري على (توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع).

المادة 33 الفقرة 3: (المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة).

المادة 154: (يعتبر هذا المرسوم نافذاً بعد 3 سنوات إذا لم يعدل).

إذاً كل القوانين والمواد التمييزية أصبحت غير دستورية منذ شباط 2015. كذلك لدينا في سورية راتب واحد للعمل الواحد نساء ورجالاً، وهذا مازالت تقاتل من أجل الحصول عليه الكثير من النساء الأوربيات. كذلك وحسب المرسوم التشريعي 32 لعام 1987 فإن للمرأة الحق في التعويض العائلي عن أولادها، إذا لم يكن الزوج يتقاضى هذا التعويض أو لم يكن موظفاً.

رغم هذا لدينا الكثير من العمل على قوانين مدنية وجزائية، وبالتحديد على قانون الأحوال الشخصية. لدينا الكثير من العمل على قانون الوصاية والولاية خاصة في هذه المرحلة الخطرة والحرجة من حياة المجتمع، كذلك لدينا الكثير من العمل على موضوع الجنسية، والحضانة وزواج القاصر والطلاق والوراثة وجرائم الشرف وغيرها كثير كثير، لكن ما أردت قوله إن القوانين والتشريعات في سورية أعطت المرأة الكثير، وحرمتها الأعراف والتقاليد من أن تستفيد من حقوقها هذه، وعلى هذا يجب علينا العمل لردم هذه الفجوة بين التشريعات والقوانين، والأعراف والتقاليد، وهذا ما يجب أن تعمل عليه المنظمات والأحزاب المعنية بالشأن النسائي، ومَن غيرنا أقدر على التصدي لهذه المشكلة؟ كأحزاب تقدمية، أو كجبهة تقدمية؟ حاملين للعالم رسائلنا.

الأولى رسالة للعالم الخارجي تقول:

المرأة السورية هي ليست امرأة جهاد النكاح ولا نساء داعش، هي جوليا دومنا وزنوبيا ونازك العابد وماري عجمي ونجاح العطار وبثينة شعبان وكوليت خوري وناديا خوست وغيرهن كثير.

الأمر الثاني: أن المرأة السورية نالت حقوقها الدستورية والقانونية قبل كل نسائكم، فلسنا بحاجة إلى حريتكم وديمقراطيتكم المشوهة.

الرسالة الثانية للحكومة وأصحاب الرأي عندنا نقول فيها:

المرأة ليست مزهرية نزين بها مجالسنا الإدارية أو مكاتبنا التنفيذية، أو برلماننا، هي طاقة إبداعية وفاعلة ومنتجة.

ثانياً: راهنوا على المرأة فالمرأة هي الحصان الرابح في كل سبق، في الإعمار وفي إعادة الإعمار.

الرسالة الثالثة للمجتمع الداخلي نقول فيها:

المرأة قادرة بالتعليم والتنوير أن ترفع مجتمعاً بأكمله أو أن تهبط به للحضيض بالجهل والتخلف. وهي قادرة على إشعال نار الفتنة، وبالتنوير والرعاية قادرة على إطفاء أعتى الحرائق. لذا يجب العامل مع هذه الطاقة الكامنة بالكثير من الصبر والمسؤولية والحكمة.

ثانياً: يجب أن لا يفرح المجتمع بالمرأة المطيعة الضعيفة غير العارفة، والتي يستطيع أن يسيّرها الرجل كيفما يشاء، لأن الأمات لا تلد إلا العبيد، أما الحرة فهي التي تنجب الرجال والأبطال.

وقبل أن أختم أود أن أقول: إني سعيدة أن الحياة أوجدتني امرأة، وأفتخر.

لذا بوركت الأيدي التي تجعل الحياة أكثر نظافة وجمالاً وأناقةً، وبوركت الروح التي تجعل العالم أكثر رحمة وحناناً ورأفةً، بوركت المرأة في عيدها.

وشكراً

العدد 1140 - 22/01/2025