التعديل الوزاري والآمال المعقودة المشروعة

 جاء التعديل الوزاري الأخير في توقيت مناسب، إن ترافق بتغيير العقلية و السير بطريق يراعي ظروف البلد وسط حرب دولية وانشطارات أفقية وعمودية، ووفق محاولات استنزاف لسورية وقدراتها، وعرقلة أي حلول من قبل المستفيدين من الأزمة داخلياً أو خارجياً، فقد جاء هذا التعديل بعد أن وصلت المعاناة المعاشية للمواطن إلى درجات لا قدرة على تحملها لولا صبره لجرح الوطن واحتراماً للدماء الطاهرة التي روت أرضه، ورغم هذه الاعتبارات لم تكن السياسات المنتهجة تراعي هذه الخصوصية، ولم يرتق الأداء الاقتصادي إلى سويّة ما يتطلبه بلد متأزم، واستمرت العقلية المتوراثة من زمن عرّاب فرض سياسات اقتصادية تراعي القلة تحت حجة الليبرالية التي فرضها صندوق النقد الدولي، وإن كانت صدمته الاقتصادية تجاوزت الليبرالية والحرية لتصب في أداء هشم البنيان الاجتماعي و الاقتصادي، وكوفئ على أدائه بمنصب في البنك الدولي، وخلفه خير خلف نفذ ما عجز عنه سابقه وهرب، وكوفئ بمنصة سياسية، وأكمل المسيرة أديب الميالة بأداء نقدي عكس التيار السليم وأبعد ما يكون عن الواقع، وبما هشم الليرة وعزز الدولار، واستمر بسطوته بعد أن أنيطت به وزارة الاقتصاد مستمراً بلعبه بالدولار والتحكم بالاعتمادات المستندية، محابياً من حاباهم من قبل باحتياطي الدولة من العملة الصعبة، ليعاني المواطن خلال الفترة القصيرة التي قضاها في الوزارة من أصعب الأزمات المتكررة: من أزمة مازوت إلى أزمة بنزين إلى كهرباء وآخرها سعر البطاطا، ودوماً الحجة تأخر وصول المواد أو صدامات بين المؤسسة المختصة ووزارة الاقتصاد.

هذه السياسات المتراخية أو المبرمجة أوصلت المعاناة المعيشية إلى أقصى حدودها لأسباب أزموية مضافاً إليها فشل السياسات الاقتصادية والمالية و النقدية، وعدم تمكن وزارة حماية المستهلك من لعب الدور المنوط بها كقوة تدخل لتأمين السلع والمواد، أو لمراقبة الأسعار وفرض ما يكون عادلاً للمستهلك والمنتج، وذلك لأنها حولت نفسها إلى ربحية يتحكم بها عدد من التجار والموردين، إذ استمرت بالأسلوب السابق نفسه القائم على الاستجرار من محتكري المواد بدلاً من الاستيراد المباشر والتدخل بأسعار تحابي السوق ولا تؤثر فيه التأثير الكافي.

 وكذلك جاء توقيت التعديل في زمن يعاني فيه القضاء من فوضى وفساد وعدم ثقة وإثقال كاهل المواطن بتكاليف أي معاملة بعد أن رفعت الرسوم وفرض تكليف محامي لأي قضية متناسين أن تراكم القضايا من الإهمال وليس بسبب محبة المواطن للجوء إلى قضاء لا يثق بأغلبه. وكذلك أصاب التعديل وزارة كان الأمل منوطاً بها للتطوير الإداري وإعادة هيكلة الأجهزة الإدارية ووضع معايير لوضع الإنسان في المكان المناسب حسب الكفاءة والمقدرة وتأهيل الكوادر الإدارية وتدريبها، لرفد الأجهزة بطاقات وقدرات كفأة بناءة، وإذا الاهتمام الأكبر يولى لدورات يخرج منها مدربون أميون بحيث أصبحت كلمة مدرب معوّمة ومنتشرة لأبعد الأفق لشخصيات أغلبها غايته المال.

إن هذا التغيير جاء في التوقيت المناسب وبمفاصل فاعلة ومؤثرة إن استُثمر بالأسلوب الصحيح، وإن أعيد النظر بما سبقه من سياسات، ويجب أن يكون هناك قطع مع ما سبق وخاصة بالعقلية الاقتصادية والنقدية، وعدم التسرع بتصريحات نتائجها غير محسوبة وقد تكون كارثية، وخاصة فيما يتعلق بسعر الوقود والعودة إلى موشح أسعار البلدان المجاورة، وأنه يكلف الحكومة أكبر من سعره وأنه يترافق بتعويض نقدي.. وكلام مما سبق أن سمعناه من أيام الدردري إلى اليوم وبأسلوب الصدمة لشعب أغلبه تحت خط الفقر ونصفه مهجر ونازح، ونصفه عاطل عن العمل. ويجب العمل على تصحيح السياسات النقدية والاقتصادية، ومكافحة التهريب و الفساد قبل اللجوء لأي خطوة. وقد نصحنا أول تعيين حكومة المهندس خميس أن وزارة الاقتصاد والمصرف المركزي سيكونان العصي في عجلة عمله وهو الذي لم يبخل بجهد، ووجدنا بعض التغيير في العقلية والشعبوية. والتغييرات السابقة قد تعجل عمل حكومته وفق بوصلة تراعي معاناة الشعب وتحتوي الأزمة وتكون طريق الانطلاقة الجديدة وإعادة الروح للمؤسسات القادرة على ضبط المجتمع و إعادة توازنه.

العدد 1136 - 18/12/2024