صرخة حلب سُمعت…

صمدت حلب في السنوات الأخيرة، وجابهت الموت بالحياة، وكانت دائماً تشعل شمعة نور في ظلمات الحرب التي روّعتها وأضعفتها.

اليوم، مع عودة الحياة لحلب، وإعادة إنعاش اقتصادها من جديد، عن طريق تأهيل المعامل، والعمل على دفع عجلة الإنتاج، وضخ السلع التي تحتاجها السوق السورية، والتي توفر على الشعب السوري نفقات الاستيراد، وتمنع تحكّم المستوردين بالسوق، وتقدم للمواطنين منتجات محلية، بجودة جيدة، وبسعر أقل من المستوردة، صدر المرسوم رقم 172 لعام 2017، القاضي بتخفيض الرسوم الجمركية، بنسبة 50 بالمئة على المواد الأولية ومدخلات الإنتاج اللازمة للصناعات المحلية، وفق ضوابط وأسس تنعكس إيجاباً على سير العملية الإنتاجية والصناعية،  الذي يهدف بلا شك لتشجيع الصناعة المحلية، ولكن بدأت المشكلات بتفسير هذا المرسوم، كل حسب هواه، وخصوصاً في اعتبار الأقمشة مادة أولية أم لا؟

إن ضم الأقمشة إلى قائمة المواد الأولية، أدّى إلى حالة من القلق عند سكان حلب، فهي مدينة صناعية، وقادرة على إنتاج الخيوط والأقمشة، بجودة عالية، لذلك حاول أهل حلب، إيصال صرختهم من جديد، بإنقاذ حلب، فقد طالب صناعيوها (اللجنة الاقتصادية) بإلغاء قرار وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، المتعلق بإعفاء الأقمشة، بنسبة 50% من الرسوم الجمركية، واعتبارها من المواد الأولية الداخلة في الإنتاج، كما تمنوا أن يتوقف استيراد كل المواد المنتجة محلياً، وكانت لطلباتهم هذه أسباب عدة، أبرزها:

– أن هذا القرار سيعود بالضرر على المنشآت النسيجية بشكل عام، التي تشكّل حلب 65% منها على مستوى سورية.

– وأن استيراد الأقمشة خطر كبير، قد يتسبّب في توقف المعامل والمنشآت المنتجة للأقمشة، والخيوط النسيجية، لتفاوت الأسعار والكلف بينها وبين ما هو مستورد.

– كما أن المنتج المستورد سينافس المنتج المحلي بشدة.

وكل هذه الأضرار لن تصيب حلب وحدها، بل ستلحق الضرر بجميع معامل النسيج.

إن إصرار بعض التجار على استيراد الأقمشة، نظراً لما تعود عليهم من أرباح هائلة، وتفضيل مصلحتهم الشخصية على الصالح العام، سيهدد عمل مصانع حلب، بالتوقف رغم توظيفها آلاف العمال، إذ ستشمل منعكساته رفع نسبة البطالة، الناجمة عن توقف المعامل والمنشآت في حال تنفيذ القرار.

ولكن مواصلة إصرار حلب على إعادة النظر، ودراسة التعليمات التنفيذية للقرار والمطالبة بتعديلها، أثمرت بعد أن اجتمعت لجنة مشتركة مشكلة من عدة أعضاء، من مجلسي إدارة غرفتي صناعة وتجارة حلب، وبحضور صناعيين وتجار أقمشة وألبسة، إذ اتفق الطرفان على عدم اعتبار الأقمشة مادة أولية، وأقمشة المفروشات والستائر والسجاد مدخلات إنتاج، كما حُدد السعر الاسترشادي للخيوط والأقمشة، ليتحققن بذلك الحفاظ على المنتج المحلي، وحماية الاقتصاد الوطني، والوقوف بوجه المصالح الشخصية، التي كانت ستؤثر على قوة الصناعة السورية، وستسبب تراجعها، عبر تحويل سورية إلى بلد مستورد،  بدلاً من أن تكون بلداً منتجاً، تهتم بنهوض الصناعة المحلية وتطويرها، وتحويل مدينة حلب، من مدينة صناعية ومنتجة ومصدرة، إلى مستهلكة ومستوردة، مما قد يعرض الاقتصاد السوري، ليكون أسيراً  لبعض رجال الأعمال، مسبباً الضرر للاقتصاد الوطني بالكامل.

إن الاهتمام بالقطاعات الصناعية والزراعية، يعد صمام الأمان لحماية بلادنا وشعبنا، ويفتح آفاق المستقبل أمام اقتصادنا الوطني الذي نريده وطنياً، تنموياً، مستقلاً يحمي استقلال سورية واستقرارها. 

العدد 1140 - 22/01/2025