ذكرى انطلاقة (جمول) السادس عشر من أيلول تاريخ محفور في ذاكرة الوطن انطلاقة مسيرة التحرير والانتصار
في 16 أيلول من عام 1982 انطلقت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، معلنة بداية عصر جديد من الصراع مع العدو الإسرائيلي، ومطلقة حركة تحرير وطنية، أثمرت انتصاراً كبيراً على العدو، وحققت تحريراً للأرض دون قيد أو شرط. هذه الانطلاقة جسدت قناعة الحزب بأن العدوان الذي طال شعبنا آنذاك لا يواجه إلا بمقاومة وطنية شاملة، تدحر الجيش المحتل وترفض المهادنة والاستسلام الذي كان يُحضّر له، والذي توّج باتفاق 17 أيار البائد.
في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، لبى الشيوعيون، ومعهم الوطنيون اللبنانيون، نداء حزبهم برفض الهزيمة والعزم على التحرير مهما كانت التضحيات، فخرجوا من تحت الركام في شوارع بيروت يحملون السلاح، في وجه المحتلين، محققين خلال أيام معدودة تحرير عاصمتهم. واستمروا يتقاطرون إلى الجبهة من جميع أرجاء الوطن ليلهبوا الأرض تحت أقدام الغزاة، في مقاومة وطنية وشعبية عنيدة، عكست رغبة شعبنا بالحرية والاستقلال. هكذا استمرت المقاومة تلاحق العدو دون استكانة، مرغمة الجيش الذي لا يقهر، على الانسحاب تباعاً من بيروت والجبل والبقاع الغربي والجنوب وصولاً إلى الشريط المحتل، الذي ظنت إسرائيل واهمة أنها تستطيع أن تقيم فيه دويلة من العملاء تابعة لها.
لقد كان مشروع المقاومة منذ البداية مشروعاً وطنياً يرى في المواجهة الشاملة عاملاً أساسياً في نجاح التحرير، من خلال مشاركة الشعب في هذه المقاومة، وفي ربط عملية التحرير بالتغيير الديمقراطي الذي يحقق للبنانيين الحرية والتقدم والعدالة.
لقد جسّد موقف حزبنا خيار الشعب الذي يقاوم العدوان بلحمه ودمه وبخيرة أبنائه، ورأى أن لا قيمة لتحرير الأرض من دون تحرير الإنسان من براثن النظام الطائفي، ولا قيمة لتحرير الأرض من دون بناء الوطن، الوطن الذي كان يستعد حينذاك للاستشهاد من أجل حريته، مقاتلون متطوعون من جميع أرجائه يصنعون ملحمة تاريخية كبرى، فيما كانت الدولة غائبة عن دورها المفترض أن تقوم به في تحمّل مسؤولياتها والقيام بتسليح الجيش وعدم التخلي عن مهامها الوطنية في تعبئة كل الطاقات السياسية والشعبية وتوحيدها باعتبارها المعنية المباشرة وبالدرجة الأولى في الدفاع عن السيادة الوطنية.
يستعيد الشيوعيون والوطنيون اللبنانيون اليوم بفخر واعتزاز كبيرين هذه المناسبة، لأنها أسست لهذه المسيرة المضيئة، حيث اجترح رفاقنا وحلفاؤنا في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، شتى أساليب النضال والقتال ضد العدو، حتى حققوا التحرير، مقدّمين خلالها تضحيات عظيمة عبّرت عنها قوافل الشهداء والجرحى والمعوقين والأسرى.
إن النضال من أجل الحرية والعدالة اليوم، هو استمرار لعمل المقاومة، لأن المقاومين الذين حملوا السلاح يوماً من أجل هذه القيم، يرونها تتحطم يومياً على يد نظام غارق في طائفيته وريعيته، يستجدي الخارج وأثرياء الداخل لتسليح جيشه، ولتمويل تعليم أولاده، ولإطفاء حرائق أحراجه، ولبناء جسوره وإصلاح بناه التحتية… بينما ثروة بعض اللبنانيين تعدّ بمئات مليارات الدولارات.
إن الشعب اللبناني قاتل من أجل وطن، لا يبقى فيه الفقراء والعمال والموظفون والمعلمون والفلاحون والمزارعون والشباب في غربة عميقة عنه، بل من أجل وطن يعيشون فيه بحرية، وطن لكل أبنائه، يعيشون فيه بكرامة دون خضوع لاستغلال أمراء المذاهب والرأسمال، وطن يكون على قدر التضحيات التي بُذلت من أجل إنجاز التحرير.
لقد أثبتت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية عبر مسيرتها المنتصرة، وعبر كل الذين ساهموا فيها، أنها كانت الطريق الوحيد آنذاك، وأنها ستبقى السبيل الوحيد لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ولرد الأطماع والاعتداءات الصهيونية والإرهابية على شعبنا وأرضنا.
وفي هذا اليوم التاريخي يعاهد الحزب الشيوعي اللبناني شعبنا، الذي قدّم أفضل ما عنده في أحلك الظروف، على الاستمرار في المقاومة والنضال من أجل التحرير والدفاع وبناء الدولة العلمانية الديمقراطية المقاومة التي تحقق العدالة الاجتماعية التي من أجلها سارت قوافل المقاومين والشهداء والجرحى والأسرى تقاتل من بيروت إلى أقصى الجنوب.
بيروت في 14/9/2016
المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني