يجب وضع حد للتعديات على غابات الساحل السوري

لقد أصبح واضحاً للعيان، أن التعديات على الغابات المنتشرة في المنطقة الساحلية من البلاد ظاهرة تثير الكثير من التساؤلات والشكوك لدى شرائح واسعة من الناس.

لقد جرى القضاء على الغطاء الغابي في مناطق كثيرة من الجبال الساحلية، إما عن طريق الحرائق المفتعلة، التي كان آخرها الحريق الكبير الذي شمل الغابة القريبة من قرية دير ماما التابعة لمنطقة مصياف منذ أكثر من عشرة أيام، والذي قضى عليها قضاء مبرماً، وإما عن طريق قطع الأشجار لاستعمالها كوقود، أو من أجل التفحيم، كل ذلك ومؤسسة الحراج لا تحرّك ساكناً وكأنها متواطئة مع أولئك الذين يرتكبون هذه الجريمة بحق البيئة في سورية.

ويحق لنا أن نتساءل: أين هي الدولة من كل ما يجري؟ وما هو السبب في إغماض العين عن هذه التعديات الخطيرة التي تجري على البيئة في البلاد؟

إننا لا نستطيع أن نحاسب ذوي الدخل المحدود من المزارعين الصغار الذين ينوءون بثقل غلاء المعيشة وعلى رأسها غلاء المحروقات، إذ لم يعد بوسعهم تأمين ما يقيهم من برد الشتاء، فيلجؤون إلى تحطيب الأخشاب المتناثرة هنا وهناك والمتبقية من تجار الخشب والفحم، المسؤولون الأساسيون عن هذه الجريمة البيئية، والمدعومون من بعض المتنفذين في السلطة، الذين لهم حصتهم التي يحصلون عليها لقاء تغاضيهم عن هذا النشاط الهدام.

فإذا كان يمكن التغاضي عن مخالفات ذوي الدخل المحدود فيما يتعلق بهذا الشأن، والذين كانوا مدفوعين إليه بحكم عوزهم وحاجتهم إلى الدفء في فصل الشتاء، فهل يمكن التغاضي عن أولئك الذين جعلوا من هذا الانتهاك الفظّ للبيئة، ومن هذه المخالفة البينة للقوانين المتعلقة بالحفاظ على الثروة الحراجية، من أجل تكديس الثروات الكبيرة دون خجل أو حياء؟

إن الأخطار المستقبلية على البيئة نتيجة هذه الأعمال غير المسؤولة سيكون لها نتائج وخيمة لا على المنطقة الساحلية فقط التي تشكل رئة سورية، وإنما على نطاق البلاد بأسرها، وهذا الأمر يحمّل الحكومة مسؤولية كبرى تجعل من الضروري إيقاف هذه المجزرة التي تجري بحق الوطن والبيئة، عن طريق إجراء تدابير فعالية ورادعة تحد من هذا الانتهاك اللا مسؤول للبيئة، وتحافظ على ما بقي من الثروة الحراجية، وتضع خطة ملموسة للتعويض عما أفسده أولئك الذين لا يهتمون إلا بمصالحهم الضيقة والأنانية، وكذلك العمل من أجل التخفيف من معاناة أولئك الذين تجبرهم ظروف الحياة على القيام بأعمال تحمل في طياتها شيئاً من انتهاك القوانين.

إن الحكومة مدعوة لأخذ هذه المسألة على محمل الجد، لأن من يعمل على كسر البيئة، ستقوم هي بالثأر لنفسها، وسيكون لذلك انعكاس سلبي على مستقبل البلاد بأسرها.

العدد 1140 - 22/01/2025