ما مصيرالحل السلمي في سورية؟

 باريس ــ خاص لـ «النور» من: أنطوان شاربنتييه

 تعرب بعض دول الغرب ومعها بعض الدول العربية، منذ وقت طويل، عن رغبتها بحلٍ سياسي للأزمة السّورية. إلا أنّ السؤال الذي يُطرح هو:

ما هي نيّة القوى الخارجية عندما تتكلم عن حلٍّ سلمي في سورية؟

إن الغرب وحلفاءه يستغلّون فكرة الحل السلمي لمزيد من النّفاق السّياسي.. فهل يمكننا تصديق دول تتكلم عن حلّ سياسي وهي تقوم في الوقت نفسه بتسليح إرهابيين أتوا بهم من كل أصقاع الأرض، وإرسالهم لتحطيم سورية وتغيير ملامح الشرق الأوسط؟

دائماً تُردّد بعض الدّول كفرنسا والسّعودية ومن لفّ لفيفهما تفكيراً ونهجاً، أن لا حلّ سلمياً في سورية قبل رحيل الرئيس بشار الأسد، وهو المنتخب ديمقراطياً من الشعب السوري. فكيف يكون الحلّ سلمياً إذا كان على حساب شريحة كبيرة من السوريين؟؟ وكيف لهذه الدول الدعوة إلى الحل السلمي وأدواتُها الفاشية تقود في الوقت ذاته حروباً تعسفية؟؟ إن كلامهم عن الحل السّلمي في سورية ليس إلا إحدى الطّرق المتّبعة لسلب القرار الحر للشّعب السّوري ولشعوب الشّرق الأوسط، فلولا تدخّل القوى الخارجية لكانت الحلول السّلمية قد تحققت منذ زمن بعيد.

إذا سلّمنا جدلاً أن لا حلّ سلمياً دون رحيل الرئيس الأسد.. فمع من ستتصالح المعارضة والدول الدّاعمة لها؟ وفكرة أن ليس من حلٍ سلمي دون رحيل الأسد عبارة عن نفاق سياسي غربي خليجي تهدف إلى ضرب الدولة السورية ومؤسساتها.. وإعطاء السلطة لأدوات لا تمثل الشعب السوري، وتخدم مصالحهم..

ليس لهذه الأسباب تُضرب سورية: لوجود الرئيس بشار الأسد في سدّة الحكم أو بسبب (اللاديمقراطية) في النظام السياسي الذي يقوده.. إنها تُضرب لدور سورية الفعال في محور المقاومة في الشرق الأوسط. فسورية لم تخضع يوماً للإمبريالية الأمريكية أو للوهّابية السياسية.. وعبارة (لا حل سلمياً دون رحيل الأسد) لا تعني سوى مزيد من الدّماء والعنف وإطالة أمد الحرب من قبل أعداء سورية.. هي واحدة من المحاولات العديدة لسلب السوريين خياراتهم الوطنية.. إنّ هؤلاء المنافقين مختبئون وراء شعار الحل السياسي، فقط للمراوغة والكذب والاستيلاء على السلطة بعد أن فشلوا عسكرياً.. إنّ مناورات الغرب وحلفائه الخليجيين تهدف إلى وضع الشرق الأوسط بحالة حرب مدمرة.

نحن هنا لا ننكر ولا نتغاضى عن حق الشعب السوري في التحرك السلمي، وأحقية مطالبه التي أعلنها، منذ البداية، والتي لم تكن بكاملها سياسية بمعنى المطالبة بالإسقاط الفوري للنظام والحصول على أكثر من الديمقراطية كما صورها الغرب.. فكانت هناك مطالب حياتية معيشية واقتصادية.. إلا أن تدخل الخارج في شؤون سورية عرقل كل الحلول.. مما أدى إلى حالة حرب دامية.. من خلال هجمة إرهابية لا مثيل لها ابتلعت التحرك السلمي والمطالبة الشرعية بالحقوق من جهة، وإرادة الدولة السورية في الإصلاح الذي بدا في حينه حاجة ملحة.. غير أن هذا الإصلاح أصبح الآن أكثر حاجة منه في الماضي.. والتدخل الخارجي في شؤون سورية والحرب القاسية عليها لا يعفي الدولة والسلطات المعنية فيها من الإصلاح الممكن حالياً والإصغاء إلى معاناة المواطن السوري.. وعلينا الاعتراف بأن قدر الدولة السورية اليوم هو الحرب على عدة جبهات وبعدة طرق.. وإذا سلّمنا أن قضية المواطن والإصلاحات هي جبهة من الجبهات، فأهميتها هي بالأهمية نفسها للحرب على الإرهاب.. لأن تحصين السّاحة الداخلية يجب أن يكون من الأولويات، فيما لو أرادت سورية ألا تعيش الانقسامات والتجاذبات الدائمة بعد خروجها من الحرب، لكي لا يكون مصيرها كمصير جارها لبنان الذي عاش انقساماً دامياً تجلى في الحرب الأهلية وما زال يعيشها وهو في حالة السّلم.

إن المسؤوليات الملقاة على عاتق السلطات السياسية في سورية هي بغاية الأهمية، وهي تعيها تماماً وتعبّر عن وعيها لهذه الحقيقة بعدة طرق، منها المصالحات التي تقوم بها الدولة في العديد من المدن السورية، وإن كانت خجولة ولا تفي بآمال البعض من الشعب السوري.. ولكنها تساعد كما بقية الطرق التي تُسلك في هذا الخصوص على تحصين الساحة الداخلية بعض الشيء.. أما محبّو الديمقراطية من المنافقين فليس أمامهم إلا ترك سورية تقرر مصيرها دون تدخل الخارج. إن غالبية السوريين يوافقون على أن تدخّل الخارج في الداخل السوري ليس من أجل الديمقراطية لأن سورية عاشت قبل الحرب ولا تزال تعيش اليوم بعضاً من جوانب الديمقراطية التي لا تعيشها بعض دول الجوار..

أخيراً فإن عدم التدخل الخارجي بشؤون سورية الداخلية كما هي حال الصديق الروسي يمكّن السلطة السورية ومعارضة الداخل وكل الأطراف من التحاور من أجل مستقبل سوري أفضل..

إن اللجوء إلى حلولٍ سلمية بين أبناء الشعب السوري هي أولاً مسؤولية الدولة السورية وكل الأحزاب والجمعيات وأصحاب الإرادة الطيبة دون استثناء.. أمّا بالنسبة للإرهاب العالمي الذي يضرب سورية فليس هناك على الإطلاق أي حلول سلمية أو أية مهادنة معه.. وكل السّبل متاحة للقضاء عليه واجتثاثه من كل سورية ومنطقة الشرق الأوسط..

أخيراً.. إن الحل في سورية بين أبناء الشعب السوري الواحد لن يكون إلا سلمياً.. وسلمياً فقط أو… لا يكون على الإطلاق!!

 

العدد 1136 - 18/12/2024