العويل الأمريكي حول خطورة التجربة الكورية؟

لو عدنا إلى التصعيد بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية، نجد أن السبب الرئيسي له، هو ممارسات واشنطن وسياساتها الاستفزازية تجاه الآخرين. صحيح ان تجارب كوريا الديمقراطية تثير قلق الدول المجاورة لها، لكنها تأتي كردّ فعل على الاستفزازات الأمريكية المتواصلة، ومنها على سبيل المثال: الوجود العسكري الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية، الذي يشكل تهديداً مباشراً لكوريا الشمالية، إلى جانب التصريحات التي يطلقها مسؤولون وإعلاميون أمريكيون ضدها، وتحريض واشنطن عبر حملة دعائية محمومة لفرض عقوبات وممارسة ضغوط على (بيونغ يانغ).

إذاً، للتجربة الكورية مبرراتها المنطقية، فهي رد فعل وليست فعلاً بحدّ ذاته. وفي أعقاب التجربة الصاروخية الأخيرة لكوريا، أعلنت القوات الجوية الأمريكية في المحيط الهادي على لسان قائدها، أن واشنطن وحلفاءها يعدّون لاستخدام قوة سريعة وقاتلة ومدمرة ضد كوريا الشمالية، إذا دعت الحاجة لذلك.

أيضاً، حلّقت قاذفتان أمريكيتان في أجواء شبه الجزيرة الكورية، إضافة إلى التهديد باستصدار المزيد من العقوبات الاقتصادية ضد كوريا الديمقراطية.

كل هذا العويل الأمريكي حول مدى خطورة التجربة الكورية، والادعاء باحتمال وصول صواريخها إلى الأراضي الأمريكية، ما هو إلا جزء من السياسة الأمريكية الهادفة إلى فرض هيمنتها على الدول والشعوب، كما أن هذا العويل يطرح سؤالاً مهماً: لماذا تشتغل حرب التصريحات والمناورات العسكرية والحملات الإعلامية بعد كل تجربة كورية، وتختفي بعد كل تحرك للبحرية الأمريكية بالقرب من السواحل الكورية، وإقامة المناورات العسكرية هناك، أو بعد إرسال منظمات صواريخ (ثاد) إلى جيران (بيونغ يانغ)؟؟!

هذا هو أسلوب واشنطن: الاستقواء بالعسكرة والتهديدات.

من جهة أخرى، تلجأ الولايات المتحدة إلى أسلوب مقزّز، عندما تحمّل موسكو وبكين المسؤولية عن التجارب الكورية الشمالية، وهذا ما تضمّنه تصريح وزير الخارجية الأمريكي (ريكس تيلرسون) عندما قال: إن بلاده تحمّل روسيا والصين المسؤولية عن التهديد الناجم عن بيونغ يانع، مُدّعياً أن الطرفين (يدعمان برنامج بيونغ يانغ النووي الصاروخي).

في الوقت نفسه أكدت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة أن وقت المفاوضات مع كوريا الشمالية قد انتهى! وهذا ما يشير إلى عزم واشنطن على أقلمة الأزمة الكورية وتدويلها.

بطبيعة الحال، اعتبرت روسيا أن مثل هذه الاتهامات الأمريكية، لها وللصين، عارية عن الصحة، ومحض افتراء، وأن مثل هذه الادعاءات تؤدي إلى مزيد من التصعيد والتوتر في المنطقة، مؤكدة أن تجارب كوريا الشمالية تأتي على خلفية تكثيف الأنشطة العسكرية الأمريكية واليابانية والكورية الجنوبية في تلك المنطقة، خاصة نشر الدرع الصاروخية في كوريا الجنوبية.

يضاف إلى هذا أن روسيا قدّمت، مع الصين، مجدّداً، خطّة (خريطة طريق)، تقضي بإيجاد حلٍّ شامل لجميع المشاكل القائمة في شبه الجزيرة الكورية بالطرق السلمية، وعبر الحوار المباشر، ومن دون أية شروط مسبقة، ولاشك بأن خريطة الطريق الروسية- الصينية، هذه، لم ترق للولايات المتحدة إلا أنها وضعتها في موقف حرج، لأنها قائمة على المنطق والأساس الموضوعي والتحليل الدقيق لملابسات الأزمة، واقتراح الحلول الناجعة لها بعيداً عن أسلوب القوة.

من خلال ما تقدم يتضح أن واشنطن عازمة على التصعيد في شبه الجزيرة الكورية، بدلاً من التهدئة، خاصة بعد المناورات المتعددة التي أجرتها بالقرب من الحدود الكورية الشمالية بالتعاون مع كوريا الجنوبية، وكذلك لم تنقطع المحاولات الأمريكية لعقد جلسة لمجلس الأمن الدولي لبحث التطورات لهذه الأزمة، في إطار مساعي واشنطن لفرض عقوبات جديدة على (بيونغ يانغ).

الخلاصة، إن موجة التصعيد الأمريكي هذه لن تخيف كوريا الشمالية، بل ستجعلها ترد على هذا التصعيد بالمزيد من التجارب، وهي محقّة في ذلك، لأنها تريد حماية نفسها من الخطر الأمريكي الذي يهددها بشكل مباشر أو غير مباشر، وهاذ ما عبّر عنه البيان الذي أصدرته (بيونغ يانغ) في أعقاب تجربتها الصاروخية، والذي جاء فيه (إن هدف التجربة الأخيرة هو إرسال تحذير صارم إلى الولايات المتحدة التي تدلي بتصريحات غير منطقية، وتطلق حملة محمومة من أجل فرض عقوبات وممارسة ضغوط على كوريا الشمالية).

العدد 1140 - 22/01/2025