الأمريكيون وحلفاؤهم أسقطوا الجهود السلمية للتسوية و روسيا تحذر من التدخل العسكري الأمريكي في سورية

الجيش السوري يتقدم في الأحياء الشرقية والشمالية لمدينة حلب

مثلما توقع الكثيرون، تنصلت الولايات المتحدة من اتفاقها مع روسيا حول سورية، وظهر السلوك الأمريكي المخادع أكثر انحطاطاً بعدما أشيع عن تباين وجهات نظر العسكريين مع أوباما والخارجية، إذ لجأت الإدارة الأمريكية بعد ذلك إلى التسويف والمماطلة في نشر نصوص الاتفاق، ثم التنصل منه، بعد أن تقدم الجيش السوري في مدينة حلب، واستعاد العديد من المناطق في الأحياء الشرقية والشمالية، وأخيراً بدأت إطلاق التهديدات بتصعيد الأزمة السورية.

وقد نشرت بعض الصحف الأمريكية البارزة سيناريوهات هذا التصعيد المتمثلة بضخ السلاح إلى المنظمات الإرهابية (المعتدلة) التي تدافع أمريكا عن اعتدالها، رغم إعلان هذه المنظمات ارتباطها الوثيق بجبهة النصرة، ودعوة الدولة الخليجية وتركيا إلى تنسيق حملات المساندة العسكرية واللوجستية لها، والضغط على الجانب الروسي لإجبار القوات السورية على وقف العمليات العسكرية في حلب.. وطبعاً تحت ذريعة المساعدات الإنسانية، كي يتسنى للإدارة الأمريكية وحلفائها تنظيم عمليات إعادة تسليح الإرهابيين كما حصل في أكثر من (هدنة) سابقاً!

وجاء الرد الروسي على تنصل الأمريكيين من الاتفاق حاسماً، إذ رفضت روسيا أي هدنة وحيدة الجانب كما حصل في مرات سابقة في مدينة حلب، وطالبت الأمريكيين بتنفيذ تعهداتهم بفصل المعارضة (المعتدلة) عن جبهة النصرة، كما رفضت التهديد الأمريكي بالتصعيد، ولجأت إلى خطوة استباقية بتدعيم وجودها الجوي بطائرات جديدة.. وهكذا أُسقط قناع آخر عن وجه الإدارة الأمريكية، أما من انخدع بسياساتهم (السلمية)، ودفاعهم المزعوم عن حقوق الإنسان ومحاربتهم للإرهاب، فوجد نفسه في زاوية ضيقة، فهم اليوم دعاة الحرب والتصعيد أكثر من أي وقت مضى، وتبين للقاصي والداني أن موافقاتهم الشكلية، ثم تراجعاتهم عن أي مقترح سلمي جدي لتسوية الأزمة السورية، ما هو إلا تسويف ومماطلة بهدف (تمرير) الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بعد توقعات الكثيرين بأن ملف سورية في عهد الرئيس الأمريكي القادم ستتعهده أيدي الصقور، الداعين إلى لجم الدولة السورية وجيشها، والمضي في تقسيمها وفق مخططات وضعوها منذ سنوات، وتحييد الحليف الروسي بخلق عقبات سياسية واقتصادية تبعده عن الأزمة السورية.

وبالطبع لا يجوز اعتبار التهديد الأمريكي كرد فعل سياسي.. ودبلوماسي على تقدم الجيش السوري في حلب وفي مناطق أخرى، بل من الضروري التعامل معه بجدية وحذر، واستعداد، فتاريخ الولايات المتحدة مليء بالأمثلة عن تدخلاتها العسكرية في شؤون الدول الأخرى، وبخاصة أن للأمريكيين شركاء وحلفاء وإرهابيين (معتدلين) يطالبونها بالتدخل العسكري!

إن أشد ما يؤلم السوريين اليوم هو استمرار نزيف الدم وتهديم الأحياء والمنشآت الحيوية، لذلك رأوا في التسوية السياسية للأزمة السورية طريقاً آمناً ووحيداً للحفاظ على الإنسان والحجر والشجر، لكن إرادة الإرهاب والتحالف الدولي الذي يدعمه ويسانده بزعامة الإمبريالية الأمريكية وآل سعود كان لهم رأي آخر.

الاستعداد لمجابهة التهديدات الأمريكية بالتصعيد ضد سورية يتطلب إضافة إلى الحذر واليقظة ورفع جاهزية قواتنا المسلحة، العمل الجديّ والملموس لتدعيم جبهتنا الداخلية أيضاًٍ، وهذا يعني، حسب اعتقادنا، وكما كتبنا مرات ومرات، الاستمرار في عمليات المصالحة الوطنية، وخلق مناخ الثقة والتسامح والانفتاح، وإطلاق سراح الموقوفين ممن لم يحملوا السلاح، ودعوة جميع  المكونات السياسية والاجتماعية والإثنية إلى حوار سوري – سورية لإيقاف نزيف الدم، والتوافق على المستقبل السوري، كما يتطلب على الصعيد الاجتماعي الاستمرار في دعم فئت الشعب الفقيرة والمتوسطة، وأن يتركز الجهد الحكومي على تخفيف الأعباء المعيشية التي تعانيها هذه الفئات، والعمل على التدخل الإيجابي في العملية الاقتصادية للجم المحتكرين والمتحكمين بالأسواق.

المواطنون السوريون الذين وقفوا ويقفون اليوم خلف جيشهم الوطني الذي يتصدى للإرهاب، ولمحاولات التقسيم، يبرهنون عن حبهم وإيمانهم بوطنهم وتمسّكهم بخياراتهم وحقوقهم ومستقبل بلادهم، الذي لن يكون إلا ديمقراطياً وعلمانياً معادياً للإمبريالية والصهيونية والرجعية الظلامية.

 

العدد 1140 - 22/01/2025