قبل لوزان وبعدها الأمريكيون وحلفاؤهم يعرقلون التسويات السياسية

حين أُعلن عن عودة الأمريكيين إلى التواصل مع روسيا بشأن المسألة السورية، بعد أن أعلنوا قطع هذا التواصل إثر تعثر الاتفاق الروسي الأمريكي، وحدد موعد لاجتماع الطرفين مع ممثلي بعض الدول الإقليمية في لوزان، لم يرتفع سقف آمالنا نحن السوريين المكتوين بنار حرب مجنونة فجّرها ويسعّرها مجموعات إرهابية مدعومة من قوى الاستعمار والطغيان والظلم والقهر في العالم.

البعض فسّر تراجع الأمريكيين عن القطيعة مع الروس بأنه مقدمة لمشروع أمريكي يعيد  الروح إلى اتفاقهم المجمد مع روسيا، والبعض الآخر توهم ربما عن حسن نية أن روزنامة الانتخابات الأمريكية تضغط على الإدارة الديمقراطية لتحقيق إنجاز ما في سياسة أوباما البراغماتية_ قولاً، وضمان وصول المستر كلينتون المتطرفة حتى العظم_ فعلاً.. أما نحن فلم نلمح أي مؤشر جديد يدلّ على تغيير ما في السلوك السياسي والعسكري الأمريكي يدفعنا إلى التفاؤل، خاصة بعد عدوان الطائرات الأمريكية على مواقع الجيش السوري في دير الزور، وبعد أن نشرت الأوساط العسكرية الأمريكية بعض السيناريوهات المتداولة لتصعيد الأزمة السورية، عن طريق ضخ المزيد من الأسلحة الحديثة، وخاصة الصواريخ المضادة للطيران، ودفع الحلفاء في الخليج وتركيا إلى زيادة الدعم المادي واللوجستي للإرهابيين القاعديين الذين تحولوا بين ليلة وضحاها إلى معارضين (معتدلين).

صحيح أن لقاء لوزان انتهى بتحديد موعد لاحق بعد 48 ساعة، لكن ما نشر عن مداولات الاجتماع لا يرقى إلى درجة الاتفاق، بل يبقى في إطار التصريحات.

إن حصر المسألة السورية بالشق (الإنساني) في حلب- الذي اعتادت أمريكا والغرب وضعه كيافطة للمجازر والمآسي التي يشجعون على ارتكابها، دون الأخذ بالحسبان الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الإرهابيون في عديد المناطق السورية، كل ذلك لا يشجعنا على توقع الفرج من لقاء الاثنين الثاني لمجموعة لوزان.

لقد كان موقف روسيا الذي أعلنه الوزير لافروف قبيل لوزان (1) واضحاً.. إنه نداء إلى الجميع (عودوا إلى القرارات الدولية)، هذه القرارات أقرها مجلس الأمن الدولي بعد فيينا 1-2، وهي تؤكد مكافحة الإرهاب المتمثل بداعش والنصرة وغيرها، والعودة إلى التسوية السياسية للأزمة السورية على قاعدة مكافحة الإرهاب، والحوار بين السوريين دون تدخل خارجي، وحق المواطنين السوريين في اختيار نظامهم السياسي ومستقبلهم دون إملاءات، ولا ضغوط.

هذه البنود كانت تعد مقدمة جدية لإنهاء أزمة سورية وشعبها، وكان الاستناد إليها في أي مسعى لاحق سيحقق آمال الشعب السوري في طرد الإرهابيين، والعودة إلى الحوار والتوافق بين جميع المكونات السياسية والاجتماعية والإثنية على نبذ السلاح، وتحديد مستقبل سورية الديمقراطي.. العلماني.. المدني.

لكن للإمبريالية الأمريكية مآرب أخرى، إنها لا تسعى لإنهاء عذابات السوريين، بل إلى استمرارها، وهذا ما دلّ عليه سيناريو رفض إدراج (النصرة) في قائمة الإرهاب، تمهيداً للاستفادة من (جهودها) في قتال الجيش السوري، بعد فشل المساعي السلمية المبذولة وسقوط حلب.

المواطنون السوريون وقد دخلوا في السنة السادسة لأزمتهم.. لعذاباتهم ومآسيهم وتهجيرهم وتفقيرهم، يتطلعون رغم ذلك إلى بصيص أمل، فالتقدم العسكري في الميدان يميل اليوم لصالح جيشهم الوطني، وهذا ما يمهد لعودة حلب الشهباء إلى دورها الاجتماعي والاقتصادي والإنساني، ويضع أمام الحكومة مهمة الإسراع في تأهيل مرافقها ومنشآتها للاستفادة منها في الجهد المبذول لإنهاء حالة الركود وتحسين الأوضاع المعيشية لجماهير الشعب السوري التي وصلت إلى حدود تخطت كل المعايير والمؤشرات الاجتماعية.

مع الجهود السلمية على قاعدة مكافحة الإرهاب، وحقنا في اختيار نظامنا السياسي ومستقبلنا، ومع الحوار الوطني الذي يضم جميع أطياف الشعب السوري، ومع التغيير السلمي باتجاه الديمقراطية والعلمانية، سيقف الشعب السوري دائماً وأبداً.

العدد 1140 - 22/01/2025