لا أحد يقدم لنا وعداً.. إلا التاريخ!

أرسل وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور عام 1917 وعداً سجله التاريخ باسمه، وهو يشبه قصص النصب والاحتيال في هذه الأيام العجائبية، فهي لاتدخل في منطق العقل ولا التاريخ!

قطع بلفور وعداً يمثل حكومة الانتداب البريطاني يقضي بمنح اليهود وطناً قومياً في فلسطين، ومن أين له الحق بهذا الوعد؟! لا أعرف. حتى لو كان الانتداب قد تم بقرار دولي، وهنا يفترض الاحتجاج منطقياً على العالم وعلى بريطانيا!

ويخطر على بالي أحياناً، وعلى سبيل الرد الحضاري الساخر في هذا العصر أن يقوم أحد المسؤولين الفلسطينيين بتدوين وعد يقدم من خلاله أرضاً بريطانية لمجموعة من الناس ضائعة في أصقاع الأرض!

وبالطبع سيقول البعض إن هذا يحتاج إلى توازن قوى، وإلى ظروف خاصة، فأنا أعرف ذلك، ولكن يحتاج العالم أحياناً إلى جرس مهما بدا ضعيفاً مقارنة بما فعلوه بنا!

صحيح أن هذا الوعد أصبح قاعدة السياسة البريطانية فيما بعد، لكن نضال الشعب الفلسطيني كسر حدة هذه القاعدة، وأثبت تاريخياً أنه صاحب الحق، وأن مايجري إنما هو مساومات على الحق، ولايمكن تغيير حقائق التاريخ!

بعث وزير خارجية بريطانيا للملياردير الصهيوني اللورد روتشيلد رسالة في 2 تشرين الثاني عام 1917 تضمنت الوعد، وتقول:

(إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية..).

من المفيد جداً استرجاع هذه العبارات، لكن مع هذا الاسترجاع، يبدو سؤال مواطن فلسطيني ظهر على إحدى الفضائيات محقاً، وهو يقول:

 (لماذا لايقدم أحد لنا أي وعد يتعلق بعودة حقوقنا؟! هل أصبح العالم شاهد زور؟!).

سؤال المواطن الفلسطيني مشروع، والأهم من هذا السؤال العفوي هو التمعن جيداً في حقيقة ما يجري، فمنذ وعد بلفور حتى الآن لم تتغير السياسة الغربية تجاه المنطقة العربية، فهذه المنطقة هي موضوع أطماع، وموضوع تفتيت، وموضوع للعدوان.

نعم، والوطن العربي برمته يعاني الآن هذه الحقيقة!

ماضاع حق وراءه مطالب!

هذه حقيقة الراهن المقاوم هذه الأيام، وفي صخب الاجتماعات التي تحيكها الدول هذه الأيام لمصير المنطقة، تعلو الصرخة من الوجدان العربي، قوية صادقة، يمكن أن تملأ الكون بصداها:

 لا ..

لايحق للعالم أن يغير التاريخ، ولايمكن محو ذاكرة العالم!

العدد 1136 - 18/12/2024