حلب بين هدنة إنسانية وحرب عالمية ثالثة

هدنة إنسانية للمرة الألف في حلب.. طبقاً لشروط الاتفاق قامت الدولة السورية بفتح معبرين آمنين إلى حلب الغربية، ليعبر منهما المدنيون وخصوصاً أولئك المصابين بجروح بالغة والأطفال والمسنين. أمّا بالنسبة للمقاتلين فقد تركت لهم الدولة حرية تسليم أسلحتهم للدولة والانضمام إلى مراكز الجيش مستفيدين من مرسوم العفو الرئاسي الساري المفعول دائماً.. أو الذهاب إلى وجهة يختارونها، بحسب ما صرّح سابقاً السيّد دي ميستورا وبكرمٍ حاتمي عن رغبته حتى بمرافقتهم شخصياً.. لقد قدّمت الدّولة السّورية مرّة أخرى إثباتاً على احترامها لقرارات المجتمع الدّولي.

لقد أثبتت الدّولة السّورية مرة أخرى عن استعدادها ورغبتها بالحل السّياسي بغية وضع حدّ للحرب الجارية على أرضها.. فقد ارتضت الرضوخ لهدنة جديدة رغم الأحداث التي جرت في دير الزور عقب وقف إطلاق النار الأخير. مارست روسيا ضغطاً على حلفائها السوريين بناءً على طلبٍ من الفرنسيين والألمان من أجل تمديد الهدنة وهو الأمر الذي حدث بالفعل.

لم يجد المقاتلون المرتزقة في شرق حلب إلا منع المدنيين من مغادرة أمكنتهم عبر قصفهم لممرّات عبور المدنيين التي أمّنها الجيش السوريّ لهم.. لقد حافظ الجيش على رباطة جأشه وتراجع إلى الخلف من دون أن يردّ على مصادر النيران.. في حين أنّ قنّاصة المسلّحين تولّوا منع المواطنين المحاصرين في حلب الشرقية من الخروج عبر هذه الممرات.. لقد رأى البعض في سلوك العصابات المسلحة وتصاعد حدّة خطاب مشغّليهم شكلاً من أشكال الاضطراب.. إلا أن سلوكهم الفعلي أظهر ميلهم إلى الاستمرار بمنطق الحرب.

وفيما تدّعي الولايات المتحدة وحلفاؤها تأثيرهما على الجماعات المسلحة في شرق حلب، فإنهم لا يبدون أيّ رغبة لإيجاد حلّ سياسي في حين أنّهم لا ينفكون يطالبون بالهدنات  الإنسانية. غير أن السؤال الذي يستحق طرحه هو التّالي: هل مصطلح (الهدنة الإنسانية) يخصّ المدنيين أم الجماعات المسلّحة؟؟ هل الهدف منها إيجاد حلّ سياسي أم إيجاد مخارج للمسلّحين في شرق حلب، وذلك بالإصرار على إعاقة تقدّم الجيش السّوري وحلفائه في هذه المدينة؟ ولماذا سريعاً ما تسقط الهدنات حتى قبل أن تبدأ؟؟

إن معطيات الميدان تظهر أنه في كل مرّة يكون فيها الجيش السوري على وشك كسب معركة ما.. يسارع خصوم سورية لطلب وقف إطلاق النار ويطالبون بهدنة إنسانية تسمح لهم بامتلاك الوسائل التي تمنع تقدّمه..

إنّ خروجاً محتملاً لجبهة النصرة من شرق حلب لا يعني أبداً نهاية الحرب في سورية.. إذ إن أعداءها لن يتوقفوا أبداً عن الاستمرار في هذه الحرب التي تشنّها بالوكالة عنهم كل مسميات العصابات المسلحة.. لذلك فإنّ إخراج مسلحي(النصرة) من شرق حلب أو أيضاً ترك داعش موجودة في شرق سورية بعد تشرذمها في الموصل، وتركها تفرّ الى الرّقة قد يكون الهدف منه إعادة استخدام هؤلاء المسلحين في حروب أخرى على الأراضي السورية؟؟ لماذا لا يجري استهداف مواكب داعش والقضاء عليها من قبل طائرات التحالف وقواته، كي تكون هناك مصداقية وتطابق مع ما يدعيه خطاب قادة التحالف من حرص شديد على اجتثاث جذور الإرهاب؟؟

وبالتّوازي مع هذه الأحداث.. تقوم الولايات المتحدة بتهديد روسيا من اصطدام مباشر معها الأمر الذي يهدّد بقيام حرب عالمية ثالثة، هنا تجدر الإشارة إلى أن كتلة الغرب أعلنت الحرب على روسيا منذ عهد بعيد وعلى أصعدة متعددة من أهمها العقوبات الاقتصادية والحرب الدبلوماسية في المحافل الدولية، والإجراءت المعادية للفرق الرّياضية الروسية في الألعاب الأولمية الأخيرة التي جرت في البرازيل هذا العام، وحرمان قسمٍ من رياضييها من المشاركة فيها.. ورغبة الاتحاد الأوربي منع وسائل الإعلام الروسية من وجودها على أراضيه.. ولا ننسى مشكلة أوكرانيا.

هل عقدة التّفوّق المبالغ بها لدى البعض في الإدارة الأمريكية ستدفع بالعالم إلى حافة أتون الحرب؟؟

هل ستبقى الحرب الدائرة في سورية حرباً بالوكالة، بسبب عجز الولايات المتحدة عن التّدخل المباشر فيها؟؟ علماً أنه يجب ألا نهمل حقيقة أن سيناريو ضربة أمريكية مباشرة في سورية قد يجعل من بعض حلفائها في المنطقة ورقة ضغطٍ هامة جداً.. يبدو أن الإدارة الأمريكية تنظر إلى إنقاذ هيبتها بأهمية بالغة، بل وتراها أولوية حتى ولو كانت على حساب ملايين الضحايا من الأبرياء من بينهم الشعب الأمريكي نفسه..

 المحلل السياسي أنطوان شاربنتييه ــ فرنسا

العدد 1140 - 22/01/2025