أمل المواطن بشتاء دافئ… هل يتحقق؟
لم يعانِ المواطن السوري، فيما مضى، من همّ تأمين وسائل التدفئة، ولكن في السنوات السوداء هذه، تغيرت أحوال السوريين كثيراً، وصارعوا هموماً لم تكن موجودة في السابق، بهذه الكثرة والشدة، ومع عودة الشتاء في كل عام، يعود هذا الجرح الذي لم يلتئم من جديد، لينذر بعذاب ومعاناة، تستمر لبضعة أشهر قبل أن يزول، على أمل أن يختفي في الشتاء القادم.
فالسعي لتأمين وسائل التدفئة، يختلف بين أسرة وأخرى حسب دخلهم، فمنهم من يسهل عليهم تأمين مادة المازوت رغم ارتفاع سعرها، ومنهم من يكون أكبر طموحاتهم، أن يتدثر كل فرد منهم بغطاء منفصل، وبين هذا وذاك تتدرج مستويات التمتع بالدفء بين السوريين حسب إمكاناتهم المادية.
وبالنسبة للشريحة الأكبر المتضررة من هذه الحرب، كان البحث عن الوسيلة الأرخص ثمناً هو الحل، لهذا لجأ الناس للتخلي عن التدفئة بالمازوت والتحول إلى وسائل أقل تكلفة، وفي بعض الحالات أقل فعالية، لا تنشر الدفء في أرجاء المنزل كما يجب، فمدفأة المازوت التي كانت تعتلي عرش وسائل التدفئة في السابق، انتزعت من مكانها، بسبب غلاء أسعارها الذي تجاوز إمكانيات الناس، فقد أصبحت تكلفتها تتراوح بين 20و65 ألفاً، وذلك حسب جودتها وحجمها، لذلك هناك من اختار شراء واحدة مستعملة بربع السعر أو بنصفه، فضلاً عن ارتفاع ثمن مادة المازوت رغم دعمه من الحكومة، ولكن الكمية المخصصة لكل أسرة والبالغة 200 ليتر بسعر 185 لليتر الواحد المدعوم، لا تكفي سوى 40 يوماً باستهلاك وسطي، و 5 ليترات فقط في اليوم غير قادرة على نشر الدفء سوى بضع ساعات، لهذا ذهب البعض لتوزيعها على فترات متفرقة من اليوم، وتركيز استخدامها في ساعات المساء والأيام الباردة. وإن فرضنا أن المواطن قادر على شراء المازوت من السوق الحر فسيضطر لشرائه بـ300ليرة لليتر الواحد، لترتفع قيمة التدفئة اليومية من حوالي 925 إلى 1500ل.س، وفي كلتا الحالتين المبلغ يفوق إمكاناته، مما دفع بعض المواطنين إلى شراء حصته المدعومة من الدولة، وإعادة بيعها بالسوق بسعر المازوت الحر، والاكتفاء بالتدفئة عن طريق مدافئ الكهرباء التي كانت تعتبر وسيلة مساعدة في السابق فباتت اليوم تعتبر أساسية خصوصاً بعد دخول الحصر الكهربائية إلى الأسواق وانتشار تصنيعها وبيعها بأسعار مناسبة إلى جانب المدافئ الاعتيادية المكونة من (نيون) وشيعة كهربائية أو أكثر، وكلما زاد عددها بالمدفئة ارتفع سعرها أكثر، وإن كانت مزودة بمروحة للهواء الساخن كان سعرها أغلى من سواها. وبالمقارنة مع أسعار مدفأة المازوت فهي أرخص وتتراوح أسعارها بين 20 – 30 ألف ليرة، ولكن لها مساوئ أبرزها فاتورة الكهرباء المرتفعة وأنها لا تبعث الدفء الكبير إلا في غرفة واحدة، ولكنها تبقى الحل الأنسب في حال عدم انقطاع التيار الكهربائي كما يأمل الجميع.
لهذا شهد سوق المدافئ الكهربائية نشاطاً أكبر بكثير من مدافئ المازوت التي عاشت حالة من الركود. وهناك من يجد أن مدافئ الغاز هي البديل الأفضل وتختلف أسعار مدفأة الغاز بين 20-50 ألفاً إن كانت مستعملة، وأغلى من ذلك إن كانت جديدة. ويختلف السعر حسب جودتها ونوعيتها فكلما كان حديثة أكثر كانت آمنة من خطر تسريب الغاز عند إشعالها، وبالتالي تكون آثارها الضارة على صحة الإنسان أقل، وبالنسبة لأسرة دخلها محدود تفضل استعمال مدفأة الغاز عوضاً عن المازوت رغم أنها تستهلك في كل أسبوع أسطوانة غاز أي بتكلفة 450 ليرة يومياً تقريباً ولكنها توفر على الأسرة نصف القيمة بالمقارنة مع المازوت. بينما فضل البعض من سكان المدن إلى جانب قاطني الأرياف والمناطق الجبلية استخدام مدفأة الحطب، فهي تعد من أفضل وسائل ألتدفئة لأنها تنشر الدفء بسرعة وبمساحة شاسعة مقارنةً بوسائل التدفئة الأخرى، فهي الأقدر على مجابهة البرد وإيقافه رغم أن توفير الحطب الجيد لها بشكل مستمر أصبح يشكل عبئاً فهي تستهلك قرابة 5-7كيلو في اليوم وسطياً، مما دفع البعض لقطع الأشجار في المناطق الريفية لتأمين الحطب للتدفئة، مما شكل خطراً كبيراً على أشجار الغابات والثروة الحراجية في عدة مناطق.
ورغم وجود كل هذه الوسائل المختلفة بالسعر والمتفاوتة بقيمة استهلاك مولدات الطاقة إلا أنها تمثل لمحدودي الدخل والفقراء مبالغ تفوق قدراتهم، فدخلهم الشهري يكفي بشق الأنفس نفقاتهم الشهرية الاعتيادية من طعام وشراب ومواصلات ومسكن إضافة إلى الفواتير المستحقة، لذلك يعتبرون تكاليف التدفئة مشكلة لا يمكن تجاوزها لهذا يعتمدون على الملابس الصوفية السميكة والأغطية والحرامات لدرء شر البرد دون الحاجة إلى دفع تكاليف للتدفئة.
يقول خالد (الذي يقطن في منطقة مخالفات) إن دخله القليل لا يسمح له باستعمال المازوت للتدفئة، لهذا فضل بيعها مباشرةً بعد شراء حصته من الدولة، وقال إنه سيعتمد على مدافئ الكهرباء في هذا العام، ملمّحاً إلى أن كهرباء منزله تعتمد على الاستجرار غير النظامي لهذا لن يخشى من فاتورة الكهرباء. بينما تقول إحدى السيدات أنها تأمل لو ترفع كمية المازوت المدعوم لكل أسرة لأن 200 ليتر لا تكفي لفترة طويلة ولا تستطيع تحمل تكلفة شرائه بسعر 300 ليرة، ولأن منزلها في منطقة جبلية في دمشق يكون الجو في الشتاء قارساً أكثر، لهذا ستحاول الاعتماد على المدفأة الكهربائية كمساعدة لمدفأة المازوت وحصر استعمال المازوت في فترة العواصف.
بين آمال الناس المعلقة على كهرباء لا تنقطع بسبب ضغط الاستهلاك في الشتاء، وأخرى تدعو أن تُزاد كمية مازوت التدفئة المدعوم من قبل الحكومة، وغيرهم من يبحث عن الوسيلة الأوفر في التكلفة، فأسعار المدافئ مرتفعة وكذلك حال المازوت ولا يوجد مفر من دفع تكاليف التدفئة، فيبقى المواطن في حيرةٍ من أمره بأي وسيلة يدفئ منزله ويبعد البرد عن أطفاله؟
هذا حال من توافرت لديه إمكانية الإنفاق على التدفئة، فكيف هو حال من يعيش على موارد شحيحة لا يقوى أن يسد رمقه، فما السبيل ليدفئ جسده الضعيف من قسوة شتاء لا يقف بوجهه نوافذ مغلقة ولا أبواب موصدة.